أن تقف فى صلاة الفجر بمسجد الروضة هذا شعور يصعب الكتابة عنه أو وصفه ..فهذا المكان الطاهر روت الدماء الذكية كل جنباته ، شعور رهيب، ليس خوفا من أى شئ، ولكن رهبة واحتراما لكل الشهداء الذين سقطوا على أرض المسجد . عندما قررنا أن نذهب إلى القرية اخترنا هذا التوقيت، ولم نكن نتوقع أن نجد أحدا بصلاة الفجر لكن إصرار أهالى القرية على افتتاح المسجد والوجود به فى هذا التوقيت عكس حالة أخرى من التحدى بين النساء اللاتى سمحن لعدد ممن تبقى من الأطفال بالذهاب الى المسجد، ليس هذا هو المهم لكن المهم هو حالة السكينة والروحانية التى عمت المكان. التحدى فى عيون من وجدناهم بالمسجد ولسان حالهم يقول إن الحياة يجب أن تستمر وتتواصل رغم الجروح الغائرة فى الصدور والحزن الذى يكسو الوجوه . انتهت الصلاة وظل البعض يجلس فى أماكنه، فمنهم من كان يتمتم بذكر الله ومنهم من يقرأ القرآن وآخرون ظلوا صامتين، ربما لا يصدقون ما حدث لهم وربما يفكرون فيما حدث لقريتهم. المتعارف عليه فى قرى سيناء أن الحياة تبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة ومع أول ضوء للنور يتحرك كل فرد إلى عمله .. «الأهرام» التقت واحدة من أمهات أبناء الروضة ذهبنا إليها وكانت تجلس بجوار عشة للطيور هى كل ما تبقى لها.. السيدة أمينة نايف سويلم، سيدة مسنة بلغت سبعين عاما قالت، والآلام تعتصرها، فقدت ابنى الاثنين، وزوجى فى لحظة واحدة، ولم يبق لى أحد فى الدنيا وأصبحت بلا جليس ولا ونيس غير هذه العشة التى تشاهدونها، وأصبحت أقصى أمنياتى أن الحق بهم اليوم قبل الغد فابنى كانا شابين فى مقتبل العمر وأحدهما كان سيتزوج هذا الأسبوع، وكنا نعد لحفلة زفافه وكل مايصبرنى أن من تبقى من شباب القرية يعتبروننى أما لهم جميعا. سألناها ماذا تريدين ؟ قالت «لا أريد مالا ولا طعاما ولا أى شئ. اريد أن اشاهد بعينى جثث من حرمونى من كل ما امتلك ابنائى وزوجي. أريد القصاص العادل والانتقام فى الدنيا لكل الشهداء .. كررنا عليها السؤال وهى تبكى بهدوء ماذا تحتاجين؟ اجابت وماذا ستحتاج عجوز مثلي؟ كل آمالى وأحلامى تحطمت فى لحظة، فرغيف واحد من الخبز يكفينى مع الماء، وحتى لو مافيش الرغيف أنا راضية بقضاء الله لأنه لم يعد هناك رغبة فى شيء ..والله دى الحقيقة ..بعد التلاتة ما راحوا هعمل إيه بالمال لن تعيد لى السعادة، خدوها مش عايزاها كل ما أتمناه هو أن أذهب إلى جوارهم. أمنيتى الوحيدة أن أقتل الإرهابيين وأشاهدهم غارقين فى الدماء ثم أفارق حياتى وأنا مطمئنة إن دماء أولادى وأولاد كل القرية تم الأخذ بالثأر لها». تركنا أم الروضة وذهبنا إلى الحاجة فاطمة موسي، التى فقدت 6 من عائلتها، لم يتبق لها إلا ابن واحد، تقول الحاجة فاطمة وهى تجلس بجوار عشتها القديمة «كنا نجتمع هنا صباحا ونشرب الشاي، زوجى وثلاثة من ابنائى واثنان من أخوتي، لم يتبق لى إلا ابنى سليمان فأصبح حمله ثقيلا فهو مسئول حاليا عن نفسه، وعن باقى عائلات اخوته ومطلوب أن يرعاهم ويتحمل عبء المسئولية. أضافت: مخى تعب من التفكير 6 فى دقيقة واحدة فقدتهم بلا ذنب اقترفوه كانوا يكدون علينا من بعد صلاة الفجر حتى مغيب الشمس فى أعمالهم والقرية والملاحات المجاورة والمسجد هو كل دنيتهم . على طرقات القرية وجدنا ثلاث بنات فى طريقهن الى المدرسة، خضرة منصور سليم بالصف الثانى الابتدائي، وصديقتها زينب عيد سليمان، وعائشة السيد جبر حسن بنفس الصف، استوقفنهن لنسألهن، فابتعدن، ولكن بعد إصرارنا على الحديث أجابونا بتعريف أنفسهن وأن هذا أول يوم دراسة لهم بعدما حضر إليهن كبير القرية وقال لهن: عليكن الذهاب الى مدارسكن فما حدث قد حدث وانتهى ..الا أن عائشة فاجأتنا بعبارة «مش قادرين ننسى إحنا بنمشى من شارع تانى غير الشارع المجاور للمسجد علشان ننسى منظر ابويا وهو غرقان فى دمه» وتبين ان البنات الثلاث فقدن آبائهن فى مجزرة مسجد الروضة . الحياة بدأت تعود للقرية بافتتاح المسجد وإعادة فرشه ودهان حوائطه استعدادا لجمعة اليوم وحسبما أكد الشيخ محمد العش مدير عام مديرية أوقاف شمال سيناء أن المسجد بدأ باقامة الشعائر الدينية بعد فرشه وتجديده، حيث كانت أول صلاة للفجر أمس بمن تبقى من رجال .