فجأة وبدون مقدمات وجدت نساء قرية الروضة أنفسهن أرامل بلا عائل.. وعيون ثكالى لا تفارقها الدموع.. دموعهن لا تتوقف حزناً على المفقودين وخوفاً من الأيام المقبلة، الحِمل ثقيل تنأى عن حمله الجبال لأن ما تبقى من الأبناء ليس لهم عائل بعدما رحل أيضاً العم والخال والجد. أيضاً فقدنا مصدر رزقنا الوحيد، فمحالنا أغلقت وزراعاتنا ماتت، هكذا تحدثت النساء الثكالى أرامل شهداء الروضة مؤكدات أن مجتمع البادية يعتمد بشكل كبير على الرجل فى تدبير المعيشة والأموال ويقتصر دور النساء على الأمور المنزلية وتربية الأولاد، فالأمهات الآن سيقمن بكل تلك الأدوار غير المعتادات عليها على الإطلاق، حالة من الألم النفسى والخوف الشديد بدت فى عيونهن التى انتفخت من كثرة البكاء، المآسى كثيرة ،وكثير من النساء ليست لديهن القدرة على الكلام، وكذلك الأطفال الصغار الذين عايشوا تلك الأحداث الجسام والمشاهد الفظيعة لتلك الجرائم الوحشية. «الأهرام» عقد لقاء مع بعض السيدات بصعوبة بالغة خاصة أن المجتمع البدوى يرفض مثل هذة الأمور لنتعرف على قصصهن وكيف سيواجهن القادم ..فى البداية كان اللقاء بدافع العزاء لهن من سيدات يتميزن بالقوة والصبر والتحدى كان واضحاً فى أعينهن رغم حزنهن ويرددن «الحمد لله رجالنا شهداء فى الجنة ويدعين الله أن يلحقن بهم فى الجنة»، وعلى مقربة منا تجلس أم محمود وتقول : لقد أبادوا نصف القرية ولا أعلم مدى الحقد والانتقام تجاه أهالى قرية الروضة، واضافت : لقد فقدت ابنى محمود وزوجى ولا اعلم كيف ستكون الايام القادمة..على مدار اربعين عاما هذه هى المرة الاولى التى سوف استيقظ ولا اشاهد ابو محمود بجوارى، وأضافت: تزوجت فى سن الثالثة عشرة من عمرى ولا اجيد شيئا فى حياتى غير تربية ابنائى واعمال التطريز والحياكة وتربية بعض الطيور بحوش المنزل، والباقى كان يقوم به ابو محمود، والذى كان طوال أربعين عاما لم يشعرنا يوما بأن هناك شيئا ينقصنا على الاطلاق ،واضافت ان الأيام المقبلة ستكون صعبة أعلم ذلك لكن الله موجود وهو من خلق ابو محمود وخلق محمود وهو من سيكفل لنا الأرزاق فكل شىء يهون لكن الشىء الوحيد الذى لايهون هو فقدناهم بين عشية وضحاها وفى لحظة خاطفة وهم ساجدون فى المسجد. وبينما نحن نتكلم قطع صوت القرآن حديثنا، ويلتزم الجميع الصمت وتمتم الكل بذكر الله، وما ان انتهى القارئ حتى تحدثت ام سليمان عن الفاجعة وكأنها صورة شبح من الصعب التخلص منه، وقالت انها عندما سمعت صوت اطلاق الرصاص هرعت مع نساء القرية تجاه المسجد ورأينا شياطين الإرهاب ملثمين ،يضربون النار فى المسجد على المصلين، وتضيف: كنت أبحث عن زوجى ولم أجده الا بعد ساعة وجدته بين صفوف الجثث وهو غارق فى الدماء، هذا المشهد لم يفارق مخيلتى على الاطلاق وفقدت السيطرة على النوم فمنذ وقوع الحادث لم تنم عينى دقيقة واحدة وأستيقظ على الكابوس فزعاً أثناء الليل لاطمئن على اولادى واذا سمعت شيئا يتحرك حتى من اصوات الرياح ينتابنى احساس أن الارهابيين قادمون لقتل أبنائى أيضا، وأصبحت لا أعلم شيئا عن القادم ولم افكر فى كيف سوف أعيش مطلقا بل كل تفكيرى هو هل سيعيش ابنائى ولن يقتلوهم ام سيكون مصيرهم القتل ايضا؟. فيما تبدو أم عطية متماسكة الى حد كبير فقد فقدت اثنين من ابنائها وزوجها وشقيقيه، وقالت بصوت مرتفع لجميع من يتحدثون : كفاكم عويلا كفاكم بكاء على ماحدث لن نترك ثأرنا والرجال لن تنتهى من سيناء اما انتم أيتها الحاضرات ( موجهة الكلام للسيدات اللاتى ذهبن لتأدية واجب العزاء ) أؤكد لكم أنه لا عزاء الا بعد القصاص من قتلة رجالنا ونرى جثثهم طعاما للكلاب، وصمتت لحظة وقالت: اعذرونا نحن مصابنا كبير ولو سمح لنا سنحارب بجانب رجالنا ولن نترك هذه الدماء البريئة تذهب دون ان نقتل الجانى الف مرة، وأنا شخصياً ليس عندى مانع أن أمسك بالسلاح لأخذ ثأرى بنفسي. وكانت تجلس بالعزاء طفلة صغيرة وكل أمانيها فى الحياة ليس ان تصبح طبيبة او تنهى دراستها وتحلم بمستقبل باهر بل أصبحت كل ماتتمناه هذه الطفلة والتى تدعى سماح 9 سنوات ان ترى من قتلوا والدها جثثا، وقالت: الخونة قتلوا والدى وعمى ومش هتبرد نارنا الا لما الجيش يقضى عليهم ويجعلهم فى مكان ويقولون تعالوا شوفوا قتلة اهاليكم ،فيما قالت ام عبدالله - شابة فى الثلاثين من عمرها: يتموا اولادى، قتلوا ابوهم وعمهم وخالهم ،ولكن جريمتهم فى حقنا ستسجل فى التاريخ. حاولنا تصوير العزاء ورفضت السيدات الثكالى بشدة لأن تقاليد مجتمعهن لا تسمح لهن بالظهور واحترمنا رغبتهن وقدرنا ظروفهن الصعبة.