«الصمت الحكومى»، و الإخفاق فى التواصل مع الناس، هما أبرز ما تتسم به هذه الحكومة . الحكومة تكاد تكون قد اعتادت، اما ان تترك الناس فريسة للتكهن، او ان «تقطر» ما تنوى عمله، او ما تتخذه من قرارات، «قطرة.. قطرة»، المشكلة ان هناك امورا مصيرية ، لا يمكن بأى حال من الأحوال ان تخصع لهذا المزاج الحكومي، الذى لا يرى للناس أحقية فى الاطلاع على ما يمس حياتهم، او الذى يتعامل مع الشعب، على انه شعب قاصر، غير قادر على إدراك الحقائق، وان للحكومة وحدها، أحقية وسلطة التقدير، فيما يمكن لهذا الشعب ان يستوعبه وما لا يمكن، مع أن نفس هذا الشعب هو الذى نزل الى الشوارع فى الثلاثين من يونيو، «ليفسد» غزل القوى الكبري، التى خيل لها ان ان سكاكينها «ماشية فى زبدة» فاذا بالشعب المصرى يقلب كل الخطط رأسا على عقب. فى موضوع «مياه النيل»، أخذ الصمت الحكومي، مدى وإيقاعا غير مفهوم، حتي تدخل السيد رئيس الجمهورية بنفسه، ليقول للناس مطمئنا «ان مياه النيل، مسألة حياة او موت» على مدى السنوات الأربع، التى شهدت الازمة، لم يكن هناك خطاب حكومى صريح ومحدد، يواكب الاجتماعات واللقاءات.. لنقل إنه على المستوى الحكومى لم يصل للناس الا معلومات مبتسرة، وعبارات غير قاطعة، بينما حفلت ساحة المجتمع المدنى بطروحات تنتقد الأداء المصري، و كتابات من متخصصين، تنذر بأننا لسنا على الطريق المرجو وتحذر من المواقف المطاطة او العبارات التى لا تسفر عن حدود واضحة، حتى وصلنا الى ما نحن فيه الآن، بعد إخفاق الجولة السادسة باجتماعات القاهرة. استاذنا الكبير هانى رسلان، المتخصص فى حوض النيل، كان واحدا من أدق المتخصصين والمتعاملين علميا مع هذا الملف على مدى السنوات، قال فى مداخلة له مع الزميلة لميس الحديدي، ان ما وصلنا له، بحاجة الي نوع من إعادة النظر فى الخطاب المصري، الذى ظل يراهن على معانى التعاون والتكامل والمشاركة فى التنمية، وانه حان الوقت لتحرك ثلاثى الأبعاد على المستوى الدولي، بأجنحة ثلاثة، او ابعاد ثلاثة: قانونية وسياسية ودبلوماسية. وبيان وزارة الري وصف ما وصلنا اليه كان نتيجة حتمية و منتظرة. نحن إزاء لحظة تستلزم أهل الخبرة، و ليس اهل الثقة، لحظة نقتدى فيها بسابقة مصرية عظيمة، قامت على فتح المجال امام «اصحاب الخبرة» من كل أطياف القوس المصرى الوطني، فنجحت مصر فى إثبات واستعادة حقها.. وأعني الاداء المصرى فى «قضية طابا» الذى ساهمت فيه قمم من الخبرات المصرية الحقيقية، و لم يترك الامر لتبعيات حكومية.. موضوع مياه النيل، ليس مجرد موضوع من الموضوعات التى نطالب الحكومة، بكسر الصمت حولها، بل نحن نطالب الحكومة بوجوب إعلامنا ماذا هى فاعلة، و لن يكون من المقبول باى حال من الاحوال ان يتم التسكين بالتصريحات الوردية فى قضية حياة او موت، او قضية أمن قومى حقيقي.. الناس تنتظر بيانات محددة من وزارتى الخارجية والرى على الأقل أسبوعيا، كما تنتظر ان يقوم مجلس الشعب بدوره فى هذه اللحظة، و ان تقدم لجنة الشئون الخارجية طلبات إحاطة لوزراء الرى والخارجية.. من حق الناس ان تعلم بالضبط ما جرى ويجري. وعلى الحكومة ان تقدم رؤياها للحل، وألا تنتهج ما اعتادته من تجاهل للرأى العام والناس. ما جرى فى قضية مياه النيل، كان من حق الناس ان تطلع عليه منذ الاستقالة المفاجئة لوزير الرى الذى ظل يتردد الهمس عن مسئوليته، ولم يتلق الناس بعدها الا طلاسم ومعانى مبتسرة. المعنى الوحيد «الواضح» الذى أعلنه رئيس الجمهورية والذى التف حوله الناس ان مياه النيل «حياة او موت».. طيب، ماذا انت فاعلة يا حكومة، و ماهى الترجمة العملية لهذا المعني؟ أسلوب الحكومة فى استهلاك الوقت، و الأداء الفاشل للموظفين ايا كانت درجاتهم الوظيفية، لن يكون هو الاداء المناسب لمثل هذه اللحظة، والخطاب الملائم بأبعاده الدبلوماسية والقانونية والسياسية، الذى اقترحه استاذنا هانى رسلان لطرح الحق المصرى دوليا، يستلزم ان تستعين مصر «بالخبرات» من جميع التيارات الفكرية، وألا يترك الموضوع المصيري، الذى عليه تتوقف حياة شعب بين ايدى مجموعة موظفين، مهما علت درجاتهم، اقصى ما يجيدونه، البيانات الوردية، المسكنة، والتى يستهلكون بها الوقت، و يهدرون معها فرص الحياة.. فرص النجاة.. نجاتنا احنا «الشعب» اصحاب الحق. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى