كان من الممكن أن تكون هذه السوق فى ميدان «المطرية»، أو فى ميدان «الحصري» بأكتوبر، أو ربما فى «المنشية» بالإسكندرية! وكان من الممكن أن يكون العبيد والجوارى الذين يتم عرضهم للبيع فى هذه السوق هم ابنى وابنك، وابنتى وابنتك، واللى ما يشترى يتفرج! عن سوق العبيد فى ليبيا أتحدث! نعم، فى ليبيا، إحدى دول «الربيع العربي» المبارك، اكتشفوا سوقا للعبيد، على طريقة أيام الجاهلية، يباع فيه الرجال كما تباع علب السجائر وعلب المناديل فى أى كشك أو على أى ناصية شارع عندنا! هذا الاكتشاف فى رأيى هو أهم خبر فى عام 2017، بل قل أبشع جريمة، وأسوأ كارثة، وقراءة التفاصيل كفيلة برفع ضغط دم حضرتك، وإصابتك باكتئاب مزمن، ولكنها فى الوقت نفسه قد تدفعك للإسراع بصلاة ركعتى شكر للمولى عز وجل، وتقبيل إيدك وش وضهر، على ما أنعم الله به علينا من نعم. البداية كانت بمقطع فيديو بثته شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية، أحد الرعاة الرئيسيين للربيع العربى المجيد وثوراته الشبابية الميمونة التى لا يزال المرء يشعر بآلام حادة فى المرارة كلما سمع آدميا لا يزال «يطبل» لها فى الداخل والخارج، ويتحدث عن علاقتها بالحرية والكرامة والعزة، وكأن «البيه مش معاكو» على رأى عادل إمام فى مشهد المحكمة بمسرحية «شاهد ماشافش حاجة»! مقطع الفيديو «الفاضح» يعرض مهاجرين أفارقة قادمين على الأرجح من دول جنوب الصحراء الكبرى يباعون بالمزاد العلنى فى سوق للعبيد فى ليبيا ليكونوا عمالا فى المزارع! المزاد يتضمن الصيحات التقليدية التى تقال فى «المزادات العلنية» التى تقام عادة لبيع «حلة» أثرية أو «نجفة» من أيام الخديو، ولكن «البضاعة» هنا عبارة عن شباب جاءوا إلى ليبيا للاستمتاع ب«الربيع» وتنسم هوائه، قبل الانطلاق فى رحلات هجرة جماعية إلى أوروبا عبر قوارب بائسة بتواطؤ منظمات إنسانية دولية، ولكنهم تعرضوا للاختطاف على الأرجح فور وصولهم ليبيا على أيدى عصابات الإتجار بالبشر التى ازدهر نشاطها فى ظل «الربيع» الميمون، فلجأوا إلى بيعهم لأصحاب المزارع والمشروعات بهذه الصورة المهينة، بل الخسيسة، بسعر 400 دولار أو 300 إسترلينى، فى أسواق يرجح أنها قرب طرابلس، وذلك مقابل أعمال عبودية لا يتقاضون عنها إلا رواتب قليلة للغاية، أو أحيانا لا يتقاضون رواتب على الإطلاق، فيكفيهم شرف العيش كعبيد! وظهر فى إحدى لقطات التقرير شابان يُعرضان للبيع فى المزاد للعمل فى مزرعة، ليوضح بعدها الصحفى الذى أعد التقرير أن الشابين بيعا بمبلغ 1200 دينار ليبي! طبعا الفضيحة صارت عالمية، ولهذا، سارعت حكومة الوفاق الليبية إلى فتح تحقيق فى هذه الممارسات، بينما دعا قادة أفارقة إلى إدراج القضية على جدول أعمال القمة الإفريقية الأوروبية المقبلة، وحث ألفا عمر كوندى رئيس غينيا والرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى على بدء ملاحقات قضائية للمسئولين عن هذه الجريمة الإنسانية التى وصفها بأنها «تعود إلى حقبة أخرى من تاريخ الإنسانية»، قائلا إن «ممارسات العبودية المعاصرة يجب أن تنتهي»، وشهدت باريس مظاهرة شارك فيها المئات احتجاجا على تجارة الرقيق فى ليبيا. وكانت منظمة الهجرة الدولية قد ذكرت فى وقت سابق أنها تملك أدلة قوية عن «العبودية» فى ليبيا، وقال مدير بعثة المنظمة فى ليبيا إن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التى يمتلكونها، وأضاف قائلا: «كما يبدو، فإنهم لا يمتلكون المال، وأسرهم لا يمكن أن تدفع الفدية المطلوبة، ولهذا يتم بيعهم لجنى الحد الأدنى من الربح من هذا». وتابع قائلا : «بالتأكيد، يختلف السعر حسب المؤهلات، فمثلا، إذا استطاع العامل القيام بالصباغة أو تركيب البلاط أو القيام بعمل متخصص، فإن السعر سيكون مرتفعا»! ولا تختلف أسواق ال«لا دولة» فى ليبيا بطبيعة الحال عن أسواق الجوارى التى نصبها الدواعش فى سوريا والعراق، وباعوا فيها النساء والأطفال، وأوهموا العالم أن هذا هو الإسلام، فى أوقح مشهد يمكن أن تراه البشرية فى تاريخها. قولوا معى : الحمد لله على نعمة الإسلام الحقيقي. الحمد لله على نعمة الوطن، مصر. الحمد لله على نعمة الأمن والاستقرار. الحمد لله على نعمة الجيش والشرطة و«البيادة». الحمد لله على نعمة السيسي. والحمد لله على نعمة العقل التى جعلتنا نبصر الحقيقة فى الوقت المناسب تماما، وننجو بأنفسنا وبأهلينا من هذا البلاء العظيم، و«نطبل» لمن يستحق «التطبيل» بحق! لمزيد من مقالات هانى عسل