بالطبع كلكم لاحظ هذا الصخب الدعائى غير المسبوق الذى أحاط انتخابات الأندية المصرية هذه الدورة بالذات، لافتات، وبانوهات فى الشوارع، وكليبات فى التليفزيون، ومطبوعات انتخابية ملونة فاخرة، فما هو السبب؟.. فى تقديرى أن البواعث وراء تلك الظاهرة تتمثل فى اختفاء «السياسة» من البلد، فتصاعد فورا الاهتمام العام بانتخابات الأندية الرياضية والتحزب لجبهة فلان وقائمة علان كبديل للتعبير عن الخلاف فى الآراء الفكرية والسياسية، اليوم حلت الأندية مكان الأحزاب كأوعية حاضنة للتمايزات فى المجتمع، لا بل وسادت انتخابات الأندية ظواهر كانت مقصورة على الانتخابات العامة مثل الإنفاق الباذخ جدا على الدعاية الانتخابية، أو ما كان يُعرف ب(المال السياسي) فصار هناك ما يُعرف ب(المال الرياضي) إذا جاز التعبير.. الظاهرة كان يمكن أن تكون إيجابية لولا المبالغات التى أفسدت مناخ التنافس على الخدمة العامة فى احدى هيئات المجتمع المدنى وهى الأندية.. والظاهرة كان يمكن أن تكون إيجابية لولا أنها اقترنت باختفاء المنافسة السياسية، التى جاءت بسبب أن المجتمع قد أفرغ كل توتراته وعصبيته فى الأحداث التى شهدها البلد منذ عملية يناير 2011، بما أفسد السياسة فى البلد، والثقافة العامة وهذا النظام القيمى والأخلاقي، ثم ها هو يوشك على تبديد فرص النظام الرياضى فى الظهور بشكل يليق بتاريخه العريق وبالدور الاجتماعى المهم الذى تلعبه الأندية فى المجتمع.. لقد راح المجتمع يستجمع رغبته فى الهدم, مرة ثانية, بعد أن قامت بتصعيدها قوى التحريض منذ سنوات، فبعد أن نجح فى منع مشاهدة الجمهور لمباريات الكرة بعد أحداث التخريب والقتل التى شهدتها الملاعب منذ 2011، ها هو يحاول تدمير فرص الأندية نفسها فى أن تقود المجتمع على نحو لا يفتته إلى كتل متناحرة، ويحولها إلى ساحات للتضاغط غير المنطقى الذى وصل آمادا لافتة.. أخشى مع هذا التصاعد تطور الأمور إلى أن يسود الانتخابات الرياضية ما نشهده فى الانتخابات السياسية من توزيع الزيت والسكر وعلب السمن على الناخبين لاستمالتهم وتشكيل مواقفهم! لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع