وزير النقل: توقيع عقد البنية الفوقية لمحطة حاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    أسعار الذهب في بداية التعاملات اليوم الخميس 25 أبريل| إنفوجراف    قدم ساعتك وغير معاد نومك..اعرف مواقيت الصلاة والمترو بعد تطبيق التوقيت الصيفي    انقطاع المياه عن بعض المناطق بالقاهرة 6 ساعات.. غدًا    عيد تحرير سيناء.. تعرف على جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    عز عامل مفاجأة.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 25-4-2024    الرئيس الموريتاني يعلن ترشحه لولاية ثانية    في اليوم ال202 لحرب غزة: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على القطاع    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    جريح في قصف مسيرة إسرائيلية لشاحنة نقل محروقات شرق لبنان    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام برايتون    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    غطاء سحابي وسقوط أمطار.. تفاصيل حالة الطقس اليوم الخميس    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بحوش في سوهاج    بينهم 3 أشقاء.. إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص مع ربع نقل في أسيوط    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    وزير الصحة: سيناء شهدت إنجاز 35 مشروعًا بتكلفة 3.5 مليار جنيه    اليوم، الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة مازيمبي    القاهرة الإخبارية: بعض المدارس انضمت لاحتجاجات الجامعات بأمريكا ضد عدوان إسرائيل على غزة    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    "شياطين الغبار".. فيديو متداول يُثير الفزع في المدينة المنورة    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    عن تشابه «العتاولة» و«بدون سابق إنذار».. منة تيسير: التناول والأحداث تختلف (فيديو)    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    تدريب 27 ممرضة على الاحتياطات القياسية لمكافحة العدوى بصحة بني سويف    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    يسرا اللوزي تكشف كواليس تصوير مسلسل "صلة رحم"|فيديو    مدحت العدل يكشف نصيحة جماهير ريال المدريد بإسبانيا للإعلامي إبراهيم عيسى ونجله    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    عالقين ومصابين.. محافظ شمال سيناء: إعادة 3 آلاف إلى غزة قريبا    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ لا يعيد نفسه...نحن نعيد تمثيله
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2017

الأمم تنهض وتتقدم فى مضمار الحضارة البشرية، لأن عقولها وقلوبها متعلقة بالمستقبل، مشدودة إليه، تخطط للزمن القادم لتتخلص فيه من مشكلات اليوم، وترسبات الأمس، ولتوجد حياة جديدة تحقق السعادة لأفرادها، والسلام والأمان والاستقرار لمجتمعاتها... هكذا أدركت جميع الأمم التى استحقت الحياة، وحققت الحضارة على مر التاريخ، والمسلمون لم يكونوا استثناء من ذلك، بل إن سرعة التغيرات فى الصدر الأول من التاريخ الإسلامى كانت مدهشة، فقد تكيف المسلمون الأوائل مع الواقع الجديد، وطوروا له وسائل وأساليب جديدة، بل إن كبار الفقهاء كانوا يغيرون فقههم إذا تغيرت البيئة والظروف الاجتماعية؛ مثلما حدث مع الإمام الشافعى رضى الله عنه؛ حين غير فقهه عندما انتقل من العراق لمصر، والكلمة الخالدة للإمام على بن أبى طالب عليه السلام «علموا اولادكم غير ما تعلمتم لأنهم خُلِقوا لزمان غير زمانكم». لكن للأسف حدث العكس فى القرون الأخيرة، وانقلبت رؤوس المسلمين فصارت عيونهم فى مؤخرة رؤوسهم، ينظرون للخلف، ويتخبطون فى السير، ويتيهون فى صحراء الضلال والتخلف، لأنهم ظنوا أن المستقبل فى الماضي، وان حركة التاريخ معكوسة، وأن السابق أفضل من اللاحق، وأن المستقبل شرٌ مستطيرٌ، وما على المسلم إلا أن يسعى جاهداً لكى يسافر فى الزمن إلى الوراء؛ لعله يعيش فى واحدة من تلك اللحظات التاريخية الناصعة الجميلة التى دأب إمام المسجد ومدرس التربية الإسلامية والخطباء والدعاة والوعاظ على تصويرها بأنها الجنة الموعودة.
الخطاب الإسلامى فى مجمله خطاب تاريخي، بحيث يصعب أن تجد خطبة جمعة واحدة فى طول العالم الإسلامى وعرضه لا يحتل التاريخ أكثر من نصفها، إن لم يكن جميعها، لقد تحول الدين الإسلامى على مستوى الخطاب الوعظى والتعليم والإعلام إلى ظاهرة تاريخية، فتربت أجيال على أن الإسلام تاريخ، والتقوى تاريخ، والبطولة تاريخ، والحضارة الاسلامية تاريخ، والعزة تاريخ، والنصر تاريخ...
وفى المقابل فإن واقعنا ليس سوى مؤشر لبؤسنا، ولعنات الله علينا لكثرة معاصينا وبعدنا عن الدين...أما المستقبل فغائب بالكلية، بل إنه مجال للفتن والانحراف، وظهور المسيخ الدجال، ونذير من نذر الشؤم على الخراب والدمار والبعد عن الدين، والكفر والفتن التى هى مثل قطع الليل المظلم... نحن ظاهرة تاريخية... ثم بعد ذلك نلعن التاريخ، ونرفع أصواتنا بالقول إن التاريخ يعيد نفسه!!!
التاريخ عند جميع شعوب الأرض يتحرك ولا يقف، وعندنا يعيد نفسه، لأنه مفلس ولا توجد لديه حوادث جديدة ... حجة يرددها الجميع من ينتقدون الخطاب الاسلامي، ومن يسوقونه ويبيعون فى بازاراتهم المتعددة ... والحقيقة أن التاريخ هو الزمن، والزمن متحرك بحركة الكواكب والنجوم، ومن سنة الله فى خلقه أنه لا يعيد نفسه إطلاقا، ولا تتكرر حوادثه، ولا ظواهره حتى وإن تشابهت فى بعض جوانبها، فكل زلزال وفيضان مختلف عن سابقه، ولا يحدث التكرار فى الطبيعة، ولا يحدث فى المجتمع الإنساني. الحقيقة أننا نعيد تمثيل حوادث التاريخ وظواهره وأزماته وكوارثه على مسرح الحياة المعاصرة، لأننا نعشق التاريخ ونذوب فيه شوقاً إلى الحد أننا نعيد إحياء مآسيه وكوارثه بصورة دائمة مستمرة، هكذا تعلمنا أن التاريخ هو الجنة الموعودة، فمن لم يستطع العيش فيها فليمثلها، لذلك كلنا نؤدى أدوارا تاريخية على مسرح الحياة، بحيث إننا تركنا واقعنا وحاضرنا وغفلنا عن مستقبلنا، وصرنا ممثلين محترفين للقيام بأدوار تاريخية لما نظن أنه العصر الذهى للإسلام والمسلمين. تعالوا ننظر فى نموذع داعش، وهو النموذج الذى وجد من المكان والزمان والإنسان والإمكانات ما أعطاه الحرية أن يعيش الحياة بدون ضغوط من أى طرف محلى أو دولي، فقد استطاعت دولة داعش أن تصيغ نموذجها الإسلامى طبقا لتصورها...فماذا فعلت؟...تعالوا نفكر فى كل ما شاهدناه على شاشات الفضائيات ... إنها عملية تمثيل مسرحى لفترة تاريخية، أو فترات معينة يرى فيها هؤلاء أنها تمثل الاسلام الصحيح ... هل تأملنا فى لباسهم؟، صورة مشوهة مما يظنون أنه التاريخ، شعاراتهم، مؤسساتهم، دواوين الدولة الداعشية، وألقاب مسؤوليهم...الخ، حتى إنهم أعادوا إحياء الرق والاسترقاق وسوق النخاسة، وبيع الجواري، وكأن هذا من مكملات ديكور المشهد الإسلامى الذى لا يتحقق الإسلام إلا به. نموذج داعش هو التجلى الحقيقى لحالة تمثيل التاريخ على مسرح المعاصرة مع تجاهل المستقبل... نموذج داعش هو تجربة عملية فى مختبر المجتمع الإنسانى ليقول لنا إننا نعيد تمثيل التاريخ بالصورة الكامنة فى نفوسنا كلما واتتنا الفرصة، وأتيحت لنا الظروف، وتمكنَّا من ذلك، ونفس الحال ينطبق على من يسيلون الدماء حزناً على مقتل سيدنا الحسين بن على عليهما السلام ... إعادة تمثيل لمشهد تاريخى حزين يمزق القلب بين غير أطرافه، لا من يبكى على سيدنا الحسين أصابه ما أصاب صحب الحسين، ولا من يلومهم كانوا ممن قتل الحسين... إعادة تمثيل للتاريخ فى جوانبه السلبية البائسة على مسرح الحياة بما يدمر الحاضر ويعيق الدخول فى المستقبل. إعادة تمثيل التاريخ صارت منهجاً حياتياً للمسلمين، ومنهجاً تعليمياً فى مدارسهم وجامعاتهم، سواء التاريخ القريب أو البعيد، ولننظر إلى المعارك الثقافية منذ كتابى الأدب الجاهلى والشعر الجاهلى للدكتور طه حسين رحمة الله عليه سنة 1925 حتى معارك يوسف زيدان مع كل طواحين الهواء، كلها معارك مع المتخيل من التاريخ، معارك على مسرح إعادة تمثيل التاريخ، بينما الأمم الأخرى تخوض معاركها الحقيقية مع المستقبل، مع غزو الفضاء، وعالم الجينات، والذكاء الصناعي، وأجيال التكنولوجيا...حسبنا الله ونعم الوكيل.
لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.