جاء المنتدي العالمي للشباب ليؤكد التزام مصر بالوثائق والتقارير والقرارات التي تدعو للسلام والتنمية وحماية حقوق الإنسان، ليس بالحديث عنها لكن بتفعيل ما جاء بها. من أهم تلك الوثائق تقريران للدكتور بطرس غالي هما «أجندة السلام» و«أجندة التنمية» وتقرير المفوضية العالمية للثقافة والتنمية. وكلها تؤكد أن السلام والتنمية يحققها البشر معاً في كل مكان من أجل رفاهية البشر في كل مكان رغم ما بينهم من اختلافات. والإختلاف يوجد بين الناس من عدة نواح في الشكل واللون والملامح، والأفكار السياسية، والمعتقدات الدينية والمذهبية، وفي نمط الحياة الذي تحدده الثقافة السائدة. ذلك هو واقع الحياة ولا يمكن ألا أن يكون كذلك.. فلم يكن من الممكن أن يتطابق البشر جميعاً ليصبحوا شكلاً واحداً ولغة واحدة وفكراً واحداً وثقافة واحدة وديانة واحدة وسياسة واحدة، وضع يدعو إلي الملل والركود وعدم التجديد، كما أنه غير وارد لأن العوامل التي تحدد شكل المجتمع تختلف وتعطي تعددية تثري الحياة، تصقل القرار وتطور الفكر. واقع له مزاياه وايجابياته علينا قبوله والتعامل معه، بحيث لا يصل الاختلاف إلي خلاف أو يصبح سبباً للصراع أو العنف بل يدعو للتكامل من أجل رفاهية البشر وحماية الطبيعة. كانت الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة ومازالت تناضل من أجل تفعيل مفهومي التنمية المستدامة والسلام الدائم العادل، وتستكشف الوسائل والطرق التي تقودنا إليهما. ثم أدركت أن برامج التنمية وهدفها الإنسان لم تحقق نتائجها المرجوة لأنها ركزت علي الجوانب المادية والاقتصادية للتنمية لأن العنصر البشري ذلك المزيج المعقد من العلاقات والمعتقدات والدوافع المختلفة والقيم لم يؤخذ في الاعتبار، صدرت الوثائق التي تطالب بأن تقوم مشروعات التنمية علي احتياجات البشر واحترام التنوع بينهم. عام 1992 أنشأت الأممالمتحدة «المفوضية العالمية للثقافة والتنمية. اختيرت لها 12 شخصية دولية من 12 منطقة جغرافية كانت مصر واحدة، منها ممثلة للعالم العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكان لمصر موقف صلب بالنسبة لوجهة نظر دول العالم الثالث. خلال عامين اجتمعت المفوضية في سائر أنحاء الكون وعقدت عشرات الاجتماعات في أركان العالم ، من ألاسكا حيث يعيش الإسكيمو في ظروف ثقافية خاصة جدا إلي جنوب إفريقيا حيث تتباين الثقافات والهويات وتتصارع، ومن جزيرة في اليابان حيث يتعايش التراث والحداثة إلي كوستاريكا اللاتينية الأمريكية الإفريقية». من السويد، حيث أثرت الظروف الجوية علي حياة الإنسان وتطور التاريخ إلي مسقط في عمان حيث يختلف المناخ الجوي والثقافي والتاريخ فاختلف الطريق إلي نفس الهدف.. الذي هو التنمية والتقدم. صدر تقرير المفوضية بعنوان اقترحته مصر «التنوع البشري الخلاق» وهو أول نداء دولي يؤكد أن حق الإنسان في الحياة وفي السلام لا تتوافر إلا علي أساس قبول التعدد والاختلاف وأن التنوع البشري يثري البشرية تماماً كما أن تنوع الموارد الطبيعية يثري الأيكولوجية، به يتكامل الوجود وتستمر الحياة وأن هناك قيما كونية عالمية يشتركون فيها جميعاً وهو ما يمكن استثماره لتحقيق السلام، وأن أحد أهم دعائم السلام هو قبول الاختلاف وثقافة التعددية. ويحدد التقرير الآليات ويضع أجندة عمل تدعو للتقارب والتفاهم بين الشعوب، ودور المجتمع المدني والمرأة والشباب في تحقيق قبول الآخر لكن الإنسان بطبيعته لا يمكن أن يقبل مالا يعرفه بل يميل إلي رفض ما هو مختلف لأنه غريب عليه. نقطة البداية إذن هي المعرفة والتعرف علي الغير وأفضل صور ذلك التعارف هو الالتقاء والحديث والاستماع والفهم.. ليس بالضرورة ان يقنع أحدهما الآخر لكن من أجل تبادل الأفكار والتجارب وتفهم أسباب الإختلاف وضرورته ، وإدراك أن ما يجمع بين البشر أكثر كثيراً مما يفرق بينهم. عقدت الاجتماعات لمناقشة تقرير المفوضية كان أولها في استوكهولم وأبرزها في فلورنس بإيطاليا كما عقد فاروق حسني اجتماعاً في القاهرة وأصبح للعالم 12 سفيرا يدعو لقضية استثمار التنوع والتعرف علي الآخر من أجل التعايش في سلام. لم يكن الرئيس السيسي معنا خلال الجولات أو المناقشات لكنه بحسه الإنساني وصدق مشاعره وصل إلي نفس النتيجة. لا أقول هذا من قبيل المجاملة بل من منطلق التقدير لموقفه من التعدد الذي عبر عنه في عدة مواقف، أذكر منها دائماً تصريحه في الكنيسة المرقسية ليلة العيد بأن الاختلاف سنة الحياة بل من ميزاتها، علينا حمايته وبما يعني أنه ليس علينا فقط قبوله لكن الحفاظ عليه. واليوم مصر لا تكتفي بعقد اللقاءات أو المؤتمرات إنما قامت بتنفيذ ما تطالب به وثائق حقوق الإنسان. جمعت بين شباب العالم من أجل السلام والتنمية ليس فقط تحقيقاً لهدف التعارف وقبول التنوع بل ليبحثوا معاً ما يواجه المستقبل الذي سوف يعيشونه بما فيه من مشاكل، والبحث عن حلول تحقق حق الإنسان في السلام والتنمية في كل مكان . ناقشوا قضايا عدة أشير إلي واحدة منها أعتبرها أخطر ما يتعرض له العالم وهي «الإرهاب» الذي يهدد أول حق للإنسان وهو «الحق في الحياة». أعلن المؤتمر مبادرته أن يصبح التصدي للإرهاب ومقاومته وعلاجه حقا أساسيا من حقوق الإنسان، علي الجميع الالتزام به، وهو ما التزمت به مصر وتقوم به دفاعاً عن أرضنا وعن العالم. لا نقول إن هذا الاجتماع سوف يحقق السلام لكنه بالقطع خطوة رائعة علي الطريق الصحيح تستحق أن تتكرر وأن تعمم وتصبح نمطاً دولياً... حفظ الله مصر.. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا;