من الأخطاء العلمية الشائعة مناداة البعض بإستبعاد السياسة من الإسلام متناسين، أن ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان السماوية السابقة عليه أنه، فى حقيقته، دين ودولة، إنه كما يؤكد الأستاذ «شاخت» فى دائرة المعارف الاجتماعية ليس مجرد دين، بل إنه نظام فكرى متكامل يشمل الدين والدولة جميعا. والإسلام كما يقول المستشرق الدكتور «فيتزجرالد» ليس دينا فحسب، ولكنه نظام سياسى أيضا»، ومن هنا فمن الخطأ أن نفصل سياسة الإسلام واقتصاده أو نظامه الخلقى أو الاجتماعى عن الدين والعقيدة، فجميع هذه النظم مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا وتغذى بعضها بعضا. وإذا كان الإسلام يتميز بالجمع بين الدين والدولة، فإن السلطة الحاكمة فيه سلطة مدنية، فالحاكم فيه ليس خليفة الله، بل هو مسئول أمام الأمة التى اختارته، وهو وكيل عنها، ليس له أى صفة من صفات الألوهية، وليس مقدسا أو معصوما فى نظر الرعية، وليس له الحق وحده فى بيان الدين وتفسير نصوصه، كما هى الحال عند الشيعة ولدى المفكر الانجليزى توماس هوبز وليست له أى سلطة دينية على أحد، بل هو رجل وثقت الأمة بدينه وعدالته فولته أمورها ويديرها بمقتضى شرع الله. ومعنى هذا أن الإسلام لا يوجد فيه ما يمكن أن نطلق عليه «حكومة دينية» أو ثيوقراطية يحكمها الكهنة أو الكنيسة كما كانت عليه الحال بأوروبا فى العصور الوسطى المظلمة، وإنما الحكومة التى تتحدث عنها هى فى حقيقتها حكومة مدنية، تستمد قانونها من شرع الإسلام: ففى القانون الإسلامى تجتمع إذن حكمة العقل (الفردى) و (الجمعى) و (الإرشاد النبوى) و (الغاية الإلهية). إن الحاكم فى الإسلام يستمد سلطانه من الأمة، ويعتمد فى بقاء هذا السلطان على ثقتها به ونظره فى مصالحها، وهو بهذا يعد مسئولا أمام الأمة التى اختارته، وأيضا مسئولا أمام الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) (الأنفال 27). فالإسلام يرفض الحكومة الدينية التى تقوم على الطاعة العمياء..، ثم إن من طباعها الجمود الذى يقف فى وجه أى تطور حقيقى. وإذا نظرنا إلى الإسلام فإننا نجده قد رفع باستغنائه عن سلطة رجال الدين شأن الفرد وقيمته، وحرره من أشد صور العبودية العقلية بشاعة وهكذا فإنه يرفض ما كان معمولا به فى معظم الأنشطة الدينية والاجتماعية القديمة التى كان رجال الدين فيها يعملون كوكلاء عن الله تزيد سلطتهم كثيرا عن قيمة الخدمات التى يؤدونها. وأرى أن أقرب الأقوال إلى سند السيادة فى الإسلام هو الرأى القائل بأنها عقد بين الله والخلق من جهة، وعقد بين الراعى والرعية من جهة أخرى، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم). (النساء: 59). إن السيادة فى الإسلام لا يملكها الحاكم، لأن الإسلام ليس «أوتوقراطية» أو حكما مطلقا استبداديا، ولا هو القانون وحده، لأن الإسلام ليس «نوموقراطية» أو حكومة القانون، بل يمكن القول إن الأمة التى تلتزم بالشريعة الإلهية هى صاحبة السيادة ومصدرها فى الدولة الإسلامية. فالسيادة الشعبية فى الإسلام، إذن، حق إلهى. ويتضح لنا، إذن، أنه لا سيادة فى النظام السياسى الإسلامى، أو الدولة فيه، لفرد مهما تكن مكانته، أو لطبقة أو لطائفة، أو لهيئة من أى نوع كان، إنما مصدر السيادة فى الإسلام، هو الأمة ممثلة فى أولي الحل والعقد. د. صلاح بسيونى رسلان الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة