وصلتني هذه الرسالة من صديقي العزيز سيادة اللواء البطل حمدي الشعراوي، واعتذر له عن عدم نشر كل الرسالة نظراً لضيق المساحة. «الأخ العزيز سيادة القمص أنجيلوس تحية وإعزازاً ومحبة وبعد، قرأت مقالكم يوم 29/10/2017 ولاحظت عدم ذكركم اسم العميد أ.ح. ولسن داود الذي شكوت له عدم تقديم الرعاية للبطل م. أول جمال بهجت بما يطمئن رجالي، فقد فَقَد بصره بعد تدميره دبابة وعربة جيب إسرائيليتين بصاروخ طائرة. وحتي ولو كان ميئوسا من علاجه فلا أقل من سفره لإسبانيا وزوجته للكشف النهائي، وقد تحقق ذلك. وأظن عدم ذكركم لاسم العميد أ.ح. ولسن داود كان لحساسية ديانته وإنني إذ أخالفكم الرأي لأن جيلي مدنياً وعسكرياً نفخر بأن هذا التمييز لم يكن موجوداً. وإليك تأكيد ببعض من تجاربي الشخصية وأرجو الإشارة لمذكرات الزعيم جمال عبد الناصر والذي نشرها أ. عبد المنعم الشناوي لنري عدم التفرقة في مذكراته عن حرب 1948 بين المسلم والقبطي. ودعني أذكر لكم الموقف الأول: كنت صديقاً في بورسعيد الثانوية للمرحوم فوزي ناشد حنا والعزيز حلمي ناشد حنا اللذين انتقلا للقاهرة لوفاة والدهما ونحن في التوجيهية. وبعد نجاحي في التوجيهية (ثانوية عامة) سافرت للقاهرة للتقديم في الكلية الحربية وبعد حجزي بالفندق تركت ملابسي وتوجهت لزيارة صديقاي، ففتحت لي والدتهما رحمها الله الباب مرحبة وقائلة: أين ملابسك؟ فقلت: في الفندق. فقالت: ولدي فوزي وحلمي روحوا هاتوا هدوم أخوكم حمدي، فحاولت الاعتذار والتملص. فقالت: اسمع أنا هنا بدل من والدك ووالدتك فاهم. فصممت وأحضرنا ملابسي من الفندق وعدنا لأجد لي سريراً يبرق ويلمع نظافة وأناقة في حجرة الطعام المطلة علي بلكونة علي الشارع، وبعد العشاء والأحاديث استأذنت للنوم استعداداً للكشف في الصباح بالكلية الحربية فقالت لي: هل صليت؟ فقلت لها: لأ. فقالت: أعرف أنك بتصلي ولا أحب أولادي يعرفوا واحد غير مصلي. صلي ثم نام». وفي الصباح فتحت البلكونة وصليت. وبعد يومين لاحظت تكرار وجود خمسة شبان في مدخل العمارة وسألني أحدهم: تسمح يا كابتن أنت مسلم ولا قبطي؟ فقلت: لماذا؟ فقال: حد شافك بتصلي مسلم والشقة دي أقباط لم يتواصلوا مع أحد منذ إقامتهم هنا. فقلت: أنا مسلم. فقال: هل سمحوا لك بالصلاة؟ فقلت: بل أمروني بالصلاة. ففوجئت بهم يجرون من أمامي. وبعد ربع ساعة من دخولي لمستضيفي فتحت البلكونة ففوجئت بكل منهم مع والدته ينادي يا فوزي يا حلمي يا أم فوزي وحلمي عاوزين نزوركم. فقد كانوا يتشوقون للتعارف والحديث معهم، ومن الذي يبدأ وكانت البداية أنا كذريعة للتواصل. الموقف الثاني: أثناء عمليات حرب 1956 وبعد تحرك القوة الرئيسية للجيش لسيناء وتدميرنا ل 40% من الطيران الإسرائيلي وهو علي الأرض كان الإنذار البريطاني الفرنسي لانسحاب قوات مصر وإسرائيل 10كم شرق وغرب القناة أو التقدم لاحتلال مدن القناة، فكشفت مؤامرة عزل جيش مصر للقضاء عليه بسيناء لعدم انضمام الشعب للمقاومة. فقرر الرئيس عبد الناصر انسحاب الجيش المصري تحت حماية ست كتائب مدعمة محصنة علي الحدود ولمدة 72 ساعة حتي تنسحب القوة الرئيسية للجيش وتنضم مع الشعب في مثلث بورسعيد السويسالقاهرة لصد وهزيمة العدوان. وضمن من صدر لهم أمر الانسحاب كان العقيد أ.ح. رؤوف محفوظ قائد قوات شرم الشيخ فرد علي إشارة الانسحاب بأنه قرر القتال لأخر طلقة وأخر رجل وعدم الانسحاب فجاءه الرد: «علي بركة الله». وبعد تعذر دعم شرم الشيخ جداً وصلت إشارة «أمرك بالانسحاب دمر الأسلحة الثقيلة وألقي الأسلحة الصغيرة في البحر». فسأل العقيد رؤوف مستلم إشارة الأمر هل علم أحد بهذه الإشارة فنفي الضابط علم أي فرد. فقال له: لا تبلغ أحدا. وبدأ العقيد رؤوف بتجميع الجرحي والمدنيين في مراكب الصيد ودفعهم إلي السعودية بحراً. وركز الطيران البريطاني الفرنسي علي السفينة الخاصة بإمداد شرم الشيخ السفينة رشيد التي أشعل قائدها ستائر الدخان فأمره العقيد رؤوف بالإبحار للسعودية. وقام قائد السفينة بالدخول ضمن قافلة متجهة إلي إيلات وسار مسافة لينحرف يميناً ويلجأ لميناء شرم الوجه السعوديون، وظن الطيران البريطاني إحدي الفرقاطات البريطانية أنها السفينة رشيد فقام بقصفها حتي اكتشف عدم وجود السفينة رشيد فظنوا غرقها، وأعلنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إغراق السفينة رشيد بينما كان السعوديين يعدون لطعام السفينة وجبة خراف مشوية. واستمر العقيد رءوف محفوظ وقواته يقاتلون ببسالة حتي نفذت ذخيرتهم فسقطت شرم الشيخ ودخل إسرائيلي علي العقيد رؤوف محفوظ وخلفه صورة الرئيس عبد الناصر فأراد أخذها فرفض العقيد رءوف بشراسة، وكان رئيس شئون إدارة شرم الشيخ البكباشي (مقدم) حنا بخيت يجاوب مستجوبه مستهتراً ساخراً مبتسماَ. فسأله المستجوب أنت مبتسم ألا تخاف، فرد أخاف من مين؟ هذا كان تصرف رجالنا حتي وهم في الأسر عُزّل. وتوجه موشي ديان إلي بن جوريون سعيداً قائلاً: سقطت شرم الشيخ يا زعيمي، فرد عليه: وهل تجرؤ علي إعلان ذلك في الكنيست، فصمت ديان، فقد كان سقوط شرم الشيخ بعد نفاذ الذخيرة، بعد إحداث خسائر فادحة في القوات الإسرائيلية، هذا فأنه يري المقاومة والقتال لآخر طلقة ولآخر رجل أفضل من انسحاب مهين لمسافة كبيرة بعد أن أمن رحيل الجرحي والمدنيين ووجه السفينة رشيد للنجاة بقرار شجاع لم ينج بنفسه ولم يفكر في ديانته إنما فكر في مصر. نحن من الجيل الذي سبقه جيل سعد زغلول الذي قدم له أحدهم كشف الوزارة قائلاً: كده الوزارة فيها أقباط كثير، فرد سعد زغلول: أنا مش شايف في الكشف غير مصريين. هكذا كانت مصر وستكون بإذن الله. إن المكان لا يسمح بذكر نماذج لجيراني مسلمين وأقباط يشرحون القلب لتعاملهم الراقي بلا عنصرية جاهلة. وختاماً تحياتي أخوكم لواء أ.ح. متقاعد حمدي الشعراوي». أن هذه الرسالة هي سر عظمة المصريين. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس