احتفلت الأممالمتحدة الخميس الماضى باليوم العالمى للتسامح ، ذلك اليوم الذى اختارته فى العام 1996 لتذكر البشرية جمعاء بأهمية أن يكون التسامح واحدا من أهم عناوين القيم التى تسود حياتنا فى هذا العالم الفسيح الممتلئ بالكوارث والحروب وماينتج عنها من دمار لدول وتشريد لشعوب ، إذ انتبهت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أهمية دق ناقوس اليقظة للعالم ليلتفت إلى التعايش السلمى وتحقيق الأمن للأفراد والشعوب وتعميق اواصر الصداقة بينهم من اجل عالم مسالم آمن ، فكان أن رحبت الجمعية العامة باقتراح منظمة اليونسكو واعتمدت اعلان المبادئ الذى أصدرته ويتضمن تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب ، فضلا عن الاحترام والقبول والتقدير للآخر ، مادام العالم يسعنا جميعا ، غير أن يوم السادس عشر من نوفمبر يمر فى كل عام كأى يوم آخر دون ان يوليه العالم الاهتمام المنتظر ، أو يذكر بعضه بعضا بقيمة التسامح باعتبارها قاطرة المجتمعات ، فبدونه يتحول العالم إلى ساحة قتال لاتعرف الرحمة طريقا إليها ، غير أنه ومع مرور الاعوام اقتصر اهتمام الاممالمتحدة نفسها على رسالة للامين العام باتت بروتوكولية حتى أن معظم وسائل الاعلام العالمية لم تعد تمنحها الاهتمام اللائق ، ربما لانشغالها بأخبار الحروب والدمار الممتد فى ارجاء العالم كله ، وربما لان هدف الاحتفالية يأتى مغايرا للواقع الذى يحيط بنا ، غير أن هذا الواقع الذى نعيشه يحتم علينا أن نولى فضيلة التسامح القدر اللازم من الاهتمام وبالتحديد فى هذه الايام التى نبدو أشد حاجة إليها فى كل حياتنا بدءا من السير فى الشارع والمنافسة فى الملاعب والتسابق على مناصب العمل التطوعى والرسمى وغيرها من مناحى الحياة التى نحياها وتتطلب قدرا من التسامح لتجعل للحياة معنى غير الصراع والعراك على كل شىء واى شىء ، ومع تعدد الاجناس واختلاف العقول وتمايز الأفكار وتنافس الأفراد والعائلات والاحزاب وغيرها، تبدو حاجتنا للتسامح أكبر وأهم ، فبدونه تصبح الحياة أشبه بالغابة التى يأكل فيها القوى الضعيف ، وتضيع منها كل قيم الاديان التى تحض على أن يعطف الكبير على الصغير، ولأن الأديان من إله واحد سبحانه وتعالى، كانت الدعوة للتسامح حاضرة وبقوة فى الرسالات السماوية كلها ، فهاهى التوراة تدعو المؤمنين بها للتسامح (لاتنتقم مما فعله الآخرون بك ، وأحب لغيرك ما تحب لنفسك) وهاهو المسيح عيسى عليه السلام يوصى أتباعه (أحبوا أعداءكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ، باركوا لأعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم) ويأتى القرآن الكريم ليبشر العافين عن الناس فى قول الله جل من قائل فى سورة التغابن : وإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وقوله تعالى فى سورة آل عمران : «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين» من هنا يتأكد لنا أن التسامح فضية أقرتها الأديان السماوية ورصدتها الحضارات الانسانية وتبناها السلوك الانسانى القويم من خلال الفن والرياضة فكلاهما يدعو إلى التسامح وحب الاخر وتقبل المنافس والعمل الجماعى وكلها قيم تحض على التسامح ونشر السلام والامن وتمثل فى مجموعها مايحتاجه الانسان وتحتاجه الدول والشعوب ويمثل خريطة طريق لاصلاح هذا العالم ، وايقاف آلة الحرب التى تبدد كل القيم وتغتال كل الامال وتحيل الاحلام إلى كوابيس تقض مضاجع الجميع ، واذا كانت صيحات العقلاء تدوى فى الفضاء مطالبة بالتعاون من أجل القضاء على الإرهاب الاسود الذى لم يترك بلدا إلا وألحق به الدمار ، فعلى العالم ان يتحد من أجل إعلاء قيمة التسامح بين الافراد ليتم تضييق الخناف على الارهاب ومحاصرته وتجفيف منابعه ، ولان الإرهاب لم يعد مقصوراً على المواجهات العسكرية وإنما امتد إلى الارهاب الفكرى الذى يغتال الأبرياء معنويا ، فمع انتشار الوسائط الإعلامية بات كل شخص بإمكانه ان ينتقد ويتجاوز فى حق أى شخص دون رادع ، وبات التعصب البغيض بديلا للانتماء ، وكثر الخارجون على القيم وزادوا عددا عن الخارجين على القانون ، وباتوا خطرا داهما على المجتمع يهدد سلمه وأمنه ، ولنا فى الانتخابات الرياضية التى تشهدها مصر هذه الايام المثل ، إذ تشهد المنافسة الانتخابية كل انواع التجاوز وتتخطاه الى الخوض فى الاعراض والذمم حتى ان مركز التحكيم وتسوية المنازعات فصل فى عشرات الشكاوى التى ثبت كيدية معظمها ، وهى امور تتناقض مع مبدأ الخدمة العامة التطوعية ، فاذا ماكان المرشح يقدم نفسه وفكره وجهده ووقته لخدمة ناديه واعضائه دون مقابل فالاجدر به ان يقدم النموذج فى الالتزام واحترام الآخر والإقرار بالتنافس الشريف ، وحسنا فعل المجلس الاعلى لتنظيم الاعلام عندما دعا وسائل الإعلام للوقوف على مسافة واحدة من كل المرشحين والتزام الحيدة والنزاهة فى تناول كل مايخص الانتخابات، وكم اتمنى أن يلتزم كل الزملاء الإعلاميين بهذه التوصية التى تحفظ للإعلام مكانته وتجنبه الدخول فى ترهات النزاعات الانتخابية التى تسىء للجميع. لمزيد من مقالات أشرف محمود