من المؤكد أن المطربة شيرين عبدالوهاب لا تتحمل وزر الخطأ الجسيم الذى وقعت فيه وحدها، وإنما المسئولية الكبرى تقع فى تقديرى على النظام التربوى الوطنى فى البلد، الذى يدفع بأناس محدودى الفهم الوطنى إلى أوسع بقاع الضوء دون إعداد أو صقل لأجهزتهم الشعورية والنفسية بشكل يضمن حسن تصرفهم أو دقة ردود أفعالهم.. والحكاية أن المطربة شيرين عبدالوهاب (وهى بالمناسبة صاحبة واحد من أجمل وأعذب وأعمق الأصوات فى تاريخ الغناء المصرى) صدمت إحدى متفرجاتها، حين طلبت منها أن تغنى أغنيتها الشهيرة «ماشربتش من نيلها» فإذا بها تقول رداً عليها: «مش خايفة يجيلك بلهارسيا؟»، وبالطبع فإن ذلك الرد الذى يتسم بأقصى درجات «الجليطة» الوطنية، أثار الرأى العام المصرى على نحو هائل، ورأى فيه البعض إهانة لرمز من رموز البلد وهو النيل الذى كان المصريون فى عهد الفراعنة يعبدونه «الإله حابي»، فضلا عن أن البلهارسيا انتهت فى مصر من زمان، كما أوضحت دوائر طبية رسمية فى البلد، وصحيح أن نقابة المهن الموسيقية أوقفت المطربة حتى يتم التحقيق معها، وصحيح أن الإذاعة والتليفزيون أوقفا إذاعة أغانى المطربة، وصحيح أن محكمة الجنح ستنظر قضية حول الموضوع، ولكن القضية أكبر وأعمق من ذلك.. بناء شخصية الفنان وتعليمه مسألة مهمة، كان عبدالوهاب وهو من هو يتربى على يدى أحمد بك شوقى أمير الشعراء، وكان عبدالحليم حافظ يتربى على أيادى عمالقة كبار مثل إحسان عبدالقدوس ومصطفى أمين وأحمد بهاء الدين، ومرت أم كلثوم المتربعة على عرش الغناء العربى حتى الآن بمراحل من التوجيه والتربية على أيادى الشيخ أبو العلا محمد وأبيها وصولا إلى الكوكبة الصحفية المتألقة التى زخرت بها ساحات الأدب والصحافة فى زمنها.. لكن من ذا الذى ربى وهذب موهبة شيرين عبدالوهاب المتميزة؟.. لا أحد، عبرت عن أفكارها بالطريقة التى يعبر بها مطربو «الحنطور» و«العنب» و«الحمار» وغيرها من البلايا والرزايا التى تلقى على أسماعنا، ويتربى عليها أبناؤنا.. النظام القيمى فى مصر يتعرض لخطر كبير، وقلنا وأعدنا أن التربية الوطنية ضرورة، وبناء الوعى الثقافى ضرورة، وهندسة إحساس الناس بالبلد ليس لعبة، وزرعه زرعا فى نفوس الفنانين بالذات محتم لأنهم يواجهون الناس، ويشكلون إدراك الناس. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع