المطالبة بالموضوعية عند تقييم الأحزاب والنواب لا تعنى أن الأحزاب لا غبار عليها تقوم بواجبها الوطنى والسياسى على أكمل وجه أو أن النواب كلهم فطاحل يدركون مسئولياتهم، يستوعبون خطورة المرحلة ويمارسون مسئولياتهم بقدرة وكفاءة عالية. كل هذا غير متوافر بالصورة التى نتمناها وننتظرها لكننا نرى أن موجة الغضب والنقد اللاذع مبالغ فيها والحقيقة دائماً فى نقطة بين النقيضين. مستوى الأداء الحزبى والبرلمانى يرتبط بمستوى الفكر والأداء الذى يسود المجتمع ويعطى الأحزاب والمجالس النيابية خصائص معينة خاصة فيما يتعلق بالمعارضة وإبداء الرأى أشرنا إلى بعضها. الأحزاب تثرى الحياة السياسية عن طريق المعارضة الوطنية التى هى واجب وطنى قبل أن يكون حزبيا، وإبداء الرأى الآخر وقبوله مسئوليات يمارسها كل من يهمه مصلحة الوطن ولا يرتبط بوجود الأحزاب. شاركت فى مجالس لم يكن بها أحزاب لكن كان بها معارضة وطنية صادقة تهدف للمشاركة والبناء وعاصرت برلمانات بها أحزاب لكن لم يكن بها معارضة بالمعنى الصحيح، كانت إما مستأنسة أو غير وطنية كما أن الانتماء لحزب معين لم يمنع وجود معارضة من داخله. ظاهرة صحية وجدت داخل الحزب الوطنى، معارضة لها ثقلها مارسها عدد من اعضائه، وفى المقابل كانت بعض الأحزاب الأخرى تدعم الحكومة فى قرارات وطنية مطلوبة منها مواقف حزب التجمع وبالأخص رئيسه د. رفعت السعيد رائد المعارضة الوطنية الصادقة. لعل أعجب الأمور ما ابتكرنا ظاهرة جديرة بالدراسة هى االمحظورةب أى قيام أحزاب غير شرعية أهدافها غير وطنية تسعى لانقلاب الحكم لكن لها حرية التنظيم والاجتماع والترشيح والوصول إلى كراسى البرلمان. يتم التعامل معها والإشارة إليها كحزب فيقال قرارات المحظورة وتصريحات المحظورة. ظاهرة غريبة ليس لها مثيل فى تاريخ العلوم السياسية والممارسة البرلمانيةلم توجد إلا فى مصر ونأمل ونرجو ألا تتكرر فى شكل حزب آخر محظور يمارس نشاطه الآن علناً. كان «للمحظورة» يوماً 80 عضوا بالبرلمان يشار إليهم بنواب المحظورة كانوا أكثر جدية يدرسون موضوعات المناقشة، ويوزعون الأدوار بينهم. كانوا يصفقون لى كثيراً إذا عارضت الحكومة ويكشرون لى عن أنيابهم إذا أيدتها. سألنى أحدهم هل أنت معنا أم معهم؟ قلت إنا أحاول أن أكون مع صالح الوطن وأبحث عن الحقيقة قال بإصرار «الحقيقة دائماً معنا». هنا لمست أسلوبهم فى التفكير الذى دأب يحذرنا منه الأستاذ الوطنى الكبير وحيد حامد. التفاعل مستمر والتأثير متبادل بين الأحزاب والبرلمان وكلاهما يتأثر بالمجتمع وما يسوده من قيم وفكر سياسى ونضج حزبى لذلك فإن البرلمان الحالى الذى جاءت به انتخابات نزيهة دون تدخل أو تزوير، يعبر عن المجتمع بما يسوده من ايجابيات وسلبيات وأحزاب. وبعد سنوات طويلة فى المجال البرلمانى يمكننى القول إن البرلمان الحالى ونوابه - رغم المشاكل التى يعيشونها والتى يتسببون فيها - مؤسسة برلمانية وطنية تحاول المساهمة الجادة فى تحقيق آمال الشعب الذى تمثله. أشير إلى بعض الإيجابيات:بالنسبة للأداء التشريعى وافق المجلس على 217 مشروع قانون مقدمة من الحكومة والأعضاء بإجمالى عدد مواد 2338 مما يعد أكبر عدد مشروعات قوانين فى تاريخ الحياة النيابية. كما حقق الكثير فى مجال الحفاظ على الأمن وحماية مقدرات الوطن ومكافحة الإرهاب بتعديل قوانين الإجراءات الجنائية واجراءات الطعن أمام محكمة النقض والكيانات الإرهابية والإرهاب. كذلك فى مجالات النهوض بالإقتصاد المصرى ودفع مقدراته ، ومجال الحماية الاجتماعية، وفى ضبط منظومة الصحافة والإعلام ، وللنهوض بالرياضة... وغيرها كثير. فى مجال الرقابة قدم الأعضاء 498 طلب احاطةو464 بيانا عاجلاً فى المجال الدولى أكد لى السكرتير العام للاتحاد البرلمانى الدولى أن مجلس النواب المصرى أصبح له مكانة مرموقة فى الاتحاد، يساهم فى أعمال وقرارات الاتحاد بصورة ايجابية. وهو منبر فقدناه فترة وعدنا إليه بقوة، كما لا يغفل البرلمان دوره فى التصدى لما يمس صورة مصر والتضليل الذى تقوم به بعض مؤسسات تتربص بنا وتبالغ مع التحريف فى نشر ما قد يقع من سلبيات أو أخطاء. منها التصدى لما نشرته هيومان رايتس كذباً عن مصر وطالب بتصحيحه. بالطبع هناك سلبيات تتعلق بالسلوك البرلمانى للنواب ومدى التزامهم بالتقاليد والقيم البرلمانية المستقرة كجزء من الديمقراطية قد يكون لها حديث قادم لكنى أعتب عليهم اليوم أمرا يؤرقنى برلمانات اليوم لا يقتصر دورها على التشريع والرقابة هى همزة الوصل بين الشعب والحكومة والقيادة فى تواصل له اتجاهان توصيل مطالب الشعب وشكواه إلى الحكومة وشرح سياسات الدولة الرشيدة لجماهير الشعب فى دوائرهم. عندما اختار الرئيس السيسى الشجاعة على الشعبية واتجه للإصلاح الاقتصادى الذى رفضه من سبقوه خوفاً على شعبيتهم بسبب ما يأتى به من مشاكل ومصاعب وغلاء لم يدرك الشعب حتمية هذا الإصلاح وأن تجاهله سوف يؤدى إلى انهيار مصر اقتصاديا أسوة بدول تجاهلته فأفلست تماماً. فى هذا الموقف الوطنى لم يقم النواب ذ ولا الإعلام ذ بدورهم فى توضيح هذه الحقائق وشرح ذلك الإصلاح ونتائجه من غلاء ومصاعب وحرمان مؤقت وضرورته من أجل مستقبل أفضل لمصر وشعبها والأجيال القادمة بل أن البعض استغل حالة الغضب بإشعال الفتنة وكأن الرئيس مسئول شخصياً عن الغلاء الذى نعانى منه كثيراً. إن الشعب المصرى مستعد أن يصبر ويتحمل إذا ما عرف الحقائق كاملة. كنت أتوقع أن النواب بانتماءاتهم المختلفة سوف يوضحون الحقائق للمواطنين الذين يمثلونهم وكل فى دائرته ليس من أجل الرئيس لكنه من أجل مصر. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا;