فى الإعلام، يمكن أن تتخلى عن الحيادية، ويمكن أن تتخلى عن النزاهة، ويمكن أن تتصيد الأخطاء، وتتجاهل ما عدا ذلك، ولكن يبدو أن هناك مدرسة أخرى فى الأفق، وهى مدرسة إعلام الاستفزاز!ومن هذه الأمثلة الأسلوب الذى تناولت به وكالة أسوشييتدبرس للأنباء قضية سد النهضة «الشائكة» بين مصر وإثيوبيا فى تقريرها الذى بثته أخيرا. التقرير المذكور الذى أقل ما يقال عنه إنه «عدائي» و«مستفز» وصيغ بلهجة مريبة، بثته الوكالة الأمريكية بتاريخ الثانى من أكتوبر 2017، ولأن «الكتاب بيبان من عنوانه» كما يقولون، فإن عنوان التقرير كان «وجودها يرجع للنيل فقط . مصر تخشى حدوث كارثة بسبب سد النهضة الإثيوبي»! وعلى الرغم من أن مخاوف مصر من «كارثة» بسبب سد النهضة من الأمور غير الجديدة بالنسبة للمصريين، وتناقش فى الإعلام ليلا نهارا، فإننا سنتفق مبدئيا أن من حق أى وسيلة إعلامية نقل ما تريده من آراء وانطباعات، ولكن أن يقال إن وجود مصر يرجع للنيل فقط، مع وضع خط تحت كلمة فقط هذه، فإن هذا ليس له سوى معنى واحد، وهو أن عبارة «مصر هبة النيل» تم تفسيرها بشكل جائر من جانب الوكالة! ولم يقف الأمر عند حد العنوان «المستفز»، بل أصر التقرير فى متنه على تكرار الفكرة، فتحدث عن دور نهر النيل كسبب «وحيد» يجعل مصر باقية منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا. ومضى التقرير يقول - بنفس الصيغ العصبية المستفزة - إن مصر «ليس لديها أى فكرة للتعامل مع هذه المسألة»، فى إشارة إلى ملف سد النهضة الإثيوبي، على الرغم من حقيقة أن مصر تولى هذا الملف أكبر اهتمام على مختلف المستويات، السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمائية، بدليل تواجد وزير الرى فى موقع بناء السد نفسه قبل أيام. وفى حين سردت الوكالة فى تقريرها أرقاما دقيقة عن احتمالية تأثر مصر بنقص حصصها من ماء النيل وتأثير ذلك المحتمل على مواردها المائية وقدراتها الزراعية، فإنها أشارت أيضا إلى تصريح مسئول مصرى - لم تذكر اسمه - قال فيه «إن مصر لا تستطيع أن تفعل سوى القليل، ولا تستطيع وقف العمل فى سد النهضة، ولكن وفقا لجميع الاحتمالات، فإن مصر سيلحق بها الضرر»، رغم أن هذا ليس هو الموقف الرسمى للمسئولين المصريين والإثيوبيين معا، على الأقل حتى الآن. واستمرارا لهذا الاستفزاز، ختم التقرير عباراته بنقل تصريح من خبير سودانى يدعى سلمان سلمان عرفته على أنه «خبير سودانى مختص فى المياه» قال فيه إن «مصر لطالما تبنت موقفا يفيد بأن هذا نهرنا، ولا يستطيع أحد أن يلمسه، ولكن الآن لم تعد مصر القوة المهيمنة على طول النيل، وتحل إثيوبيا محلها»، وهى عبارة مليئة بالمغالطات، فلا مصر أعلنت من قبل أن النيل نهر مصرى محض، ولا كانت القوة المهيمنة على النهر طوال العقود الماضية، ولا يمكن أن يحل أحد مكان أحد فى السيطرة على تدفق مياه النيل، وإنما الأطراف المختلفة اتفقت على التنسيق والتعاون منذ فترة كافية. .. فى الإعلام، إما أن تكون ناقلا للأحداث والآراء، وإما أن تكون «مشجعا»!