جاءت انتخابات اليونسكو كاشفة لأشياء كثيرة، لكنها فضحت أيضا السوشيال ميديا وأظهرت مدى جهل كثير من مستخدمى الفيس بوك واعتمادهم على المعلومات السماعى غير الموثوقة، وكيف يمكن لشخص واحد نشر بوست غير دقيق وسرعان مايتناقله عدد كبير من المستخدمين والتعامل معه علي أنه حقيقة وبناء المواقف على ذلك. ولعل أوضح مثال فى هذا السياق هي الضجة التى أحدثها البعض عن عدم تصويت دولة الكويت لصالح المرشحة المصرية فى انتخابات اليونسكو، وما استتبع ذلك من هجوم بعض مستخدمي الفيس بوك علي الموقف الكويتي والدخول فى معركة وهمية حول خطيئة الكويت فى اليونسكو ، دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم وبعضهم صحفيون عناء معرفة من هى الدول التى لها حق التصويت، وهى: ألبانيا، الجزائر، الأرجنتين، بنجلاديش، البرازيل، الكاميرون، تشاد، الصين، كوت ديفوار، جمهورية الدومينيكان، مصر، السلفادور، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، غانا، اليونان، غينيا، هايتي، الهند، إيران، إيطاليا، اليابان، كينيا، لبنان، ليتوانيا، ماليزيا، موريشيوس، المكسيك، المغرب، موزامبيق، نيبال، هولندا، نيكاراجوا، نيجيريا، عمان، باكستان، باراجواي، قطر، كوريا، روسيا، سانت كيتس ونيفيس، السنغال، صربيا، سلوفينيا، جنوب إفريقيا، إسبانيا، سريلانكا، السودان، السويد، توجو، ترينيداد وتوباجو، تركمانستان، أوغندا، أوكرانيا، بريطانيا، الولاياتالمتحدة الأمريكية، فيتنام. ولو عرف ذلك لعلم أن الكويت ليس لها حق التصويت أصلا، وأن نشر هذه الأخبار غير الصحيحة وبناء المواقف عليها يتسبب فى الإساءة للعلاقات مع بعض الدول الشقيقة دون مبرر سوى الجهل والإصرار عليه، ونفس الأمر حدث تجاه اليمن التي ليس لها حق التصويت أيضا، وتطوع البعض لنشر قصص كثيرة عن الدور الذى لعبه المندوب اليمنى فى عملية التصويت !! الغريب أن محاولة الإساءة للعلاقات المصرية العربية على الفيس بوك كانت تتم فى الوقت الذى تحقق فيه مصر نجاحات مهمة على صعيد المساهمة فى حل عديد من المشكلات العربية الخطيرة، مثل تحقيق المصالحة الفلسطينية، واستكمال جهود إعادة الاستقرار لبعض المناطق فى سوريا، وهي جهود لم تأت من فراغ إنما ثمرة عمل دءوب مستمر منذ فترة طويلة فى صمت تام من جانب جهاز المخابرات العامة المصرية، الذى يؤدى دورا ضخما للحفاظ على الأمن القومى العربى. ولعل رد الفعل الإسرائيلي المنزعج من الجهود المصرية يوضح مدى أهميتها والسياق الوطنى الذى تجرى من خلاله، فقد لفتت تقارير إسرائيلية عديدة فى بداية مفاوضات تحقيق المصالحة الفلسطينية إلى أن أيا من الجهات المصرية لم يخبروا إسرائيل بأي تفاصيل بشأن الخطوات، التي تتخذها القاهرة من أجل تحقيق عملية المصالحة. وقال موقع «ديبكا» الإسرائيلي في هذا السياق: إن ذلك أشعل الكثير من الأماكن في إسرائيل، فقد فهموا في إسرائيل فجأة أن مصر لا تشركها بتفاصيل الخطوات التي تقوم بها، وأن المسئولين المصريين لا يبلغون إسرائيل بخطواتهم ونواياهم. بدوره، أكد مركز «أطلس» للدراسات الإسرائيلية أنه من الواضح أن إسرائيل غير مرتاحة - بوصف مخفف - للجهد المصري في جلب الفرقاء الفلسطينيين إلى طاولة الحوار لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وبسط نفوذ السلطة الفلسطينية على قطاع غزة. وأضاف المركز في تقرير له: «الرئيس السيسي، الذي يبدو أنه استطاع إقناع الرئيس الأمريكي ترامب بأهمية المصالحة الفلسطينية كشرط أولي لا بد منه للتقدم في مسار التسوية، استطاع أيضا أن يلجم الدور التخريبي للحكومة الإسرائيلية». وقد أدت المصالحة المصرية للفلسطينيين إلى دخول رئيس الوزراء رامي الحمد الله الى قطاع غزة للمرة الاولى منذ عام 2015، وكان في استقباله آلاف من سكان غزة الذين يريدون المصالحة الفلسطينية لتسهيل حياتهم اليومية، وفي اليوم التالي، ترأس الحمد الله اجتماع الحكومة الاسبوعي في غزة لاول مرة منذ عام 2014. وجاءت زيارة الحمد الله في سياق تفعيل المصالحة على الارض والتحضير لانتقال المسئوليات- المدنية على الاقل- من حركة حماس الى السلطة الفلسطينية ، وهى القطيعة التى حدثت بعد ان فازت حماس في انتخابات 2006 التشريعية، ورفض المجتمع الدولي قبول حكومة حماس وطالب الحركة أولا بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقات بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وسيطرت حماس على قطاع غزة منتصف العام 2007 بعد ان طردت عناصر فتح إثر اشتباكات دامية، ولم تعد السلطة الفلسطينية بعدها تمارس سلطتها سوى في الضفة الغربية المحتلة. الامر الأكثر إلحاحا هو مصير مليوني فلسطيني يقيمون في القطاع الفقير والمحاصر، حيث شهد قطاع غزة المحاصر ثلاث حروب مدمرة بين عامى 2008 و2014 بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية. ويعتمد أكثر من ثلثي سكان القطاع الفقير على المساعدات الانسانية، ويعاني القطاع من حصار اسرائيلي خانق ونسبة بطالة عالية وندرة الكهرباء والماء ووضع اقتصادي صعب. كما اشادت القيادات الفلسطينية بدور مصر فى تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتوصل لاتفاق بين حركتى فتح، وحماس، فى القاهرة، وأكدت أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، كان له الفضل والجهد الأكبر فى رعاية المصالحة الفلسطينية التي تعتبر خطوة تاريخية مهمة فى تاريخ الشعب الفلسطينى وتؤسس لمشاركة وطنية حقيقية بين الفصائل الفلسطينية كافة بالعودة إلى الشرعية الفلسطينية والسماح لحكومة الوفاق الوطنى بممارسة عملها ودورها وتولى ومهامها وتحمل مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. كما ستشكل رافعة أساسية لإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعى كقضية وطنية لكل الشعب الفلسطينى بكل أطيافه وفصائله وقواه الوطنية والإسلامية وكقضية مركزية لكل شعوب الأمتين العربية والإسلامية. فى الوقت نفسه نجحت المخابرات العامة المصرية فى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد وإدخال المساعدات لبعض المناطق السورية، وهو أمر يتم للمرة الثالثة فقد نجحت مصر من قبل بالتعاون مع روسيا فى التوصل لاتفاق هدنة بريف حمص الشمالى بوسط سوريا، وقبلها توقيع اتفاق الهدنة فى منطقة الغوطة الشرقية بدمشق، وذلك حرصا من الرئيس عبد الفتاح السيسى على وقف اراقة الدماء فى سوريا وبذل كل جهد ممكن للحفاظ على حياة السوريين. هذه الجهود المصرية المهمة على المستوى العربى وغيرها يجب أن يعيها الجميع، وألا يؤدى جهل بعض مستخدمى الفيس بوك إلى جر السوشيال ميديا إلى معارك وهمية تضر المصالح المصرية والعربية. كلمات: الخيال مضطر إلى التمسك بالاحتمالات، لكن الحقيقة ليست كذلك. مارك توين لمزيد من مقالات فتحى محمود;