الحياة مهما طالت فهي قصيرة, لكن الحياة ليست نزهة خلوية علي شط الأصيل, ولا زيارة قمرية عند سفح الهرم, الحياة معركة طويلة تلمع فيها السعادة كومض البرق, وتجتاحها سحب كثيفة من التعاسة. نحن في الواقع نشقي بأجسامنا ورغباتنا وطموحاتنا, نحن سجناء أحاسيس غامضة ومشاعر مبعثرة تخفيها ملابسنا عن العيون, مرق قطار العمر علي قضبان الزمن, كلما نضج الإنسان, وفهم أكثر وقد لا يحزن! بعض الناس يتحسرون علي زمن فات, فينسحبون أو يهاجرون للداخل, قدر الإنسان في الحياة أن يتعامل ويتفاعل مع الآخرين, مع الاحاطة أن الحياة هبة الخالق تعاش والبني آدم يحولها الي غابة تضم كل الحيوانات مع فارق واحد ان الحيوان صريح ومباشر في رغباته والإنسان يخفي زغباته, بقشرة من التمدين, وقد وهب الله الإنسان لسانا ليكون سفيرا للخير في مملكة الشر, لكن أغلب الناس يحولون ألسنتهم الي مشارط تجرح ولا تسيل دما, وسقطة اللسان كطلقة الرصاص تستقر في القلب, ولا يستطيع د. مجدي يعقوب طبيب القلوب انتزاعها, وكل إنسان في الحياة, في قلبه طلقات رصاص من كلمات طائشة وطعنات من أصدقاء ولكنه يحيا, نحن نري ونسمع ونتأذي, وقد نري ببصيرتنا أشياء وأشياء, ونتألم في صمت. أنت أتعس البشر اذا كانت أحاسيسك هي بوصلتك ومشاعرك هي سفينتك, إنك تواجه الحياة بقلب له صفات الزجاج القابل للكسر, تستقبل كل شيء, بأعصابك, حزمة الأعصاب هي ممتلكات أي إنسان ومن السهل أن تشتعل من فرط ما تري في الحياة. أول حفرة نفسية تقع فيها أن تتصور أن الحياة كقصيدة شعر بينما هي في واقع الأمر نثر ركيك, حفرة أخري تسقط فيها وهي المثالية, وهي عالم منسوج من قيم افتراضية ليست واقعية, قيم مثالية علي أفواه أئمة المساجد وكهنة الكنائس ويندر التعامل الحياتي بها! نعم, يأتي الإنسان الي الحياة صفحة بيضاء, ثم تعجنه الدنيا وتدور به محمية الزمان و.. تلوثه! بعض الناس يعيشون علي المهدئات, النساء يمضغن بروزاك كبمبوني الأطفال وينشدن هدوءا وراحة بال, مع أن راحة البال في ندرة اليورانيوم, وعلي قدر حجم مسئولياتك تكون راحة بالك, ومن أين تأتي راحة البال, وبعض الناس ينطبق عليهم شطرة في بيت شعر لكامل الشناوي تقول بعضي يأكل بعضي؟ قد تبحث عن صديق في لحظة محنة, فتكتشف أنه فر.. وطار, فيذهلك التصرف وتندب حظك وتبصق علي زماننا مثلما فعل يوسف السباعي قبل رحيله المفاجيء, قد تقدم عونا لأحد, فيحاول كسر يدك واذا رأيته في بداياته وكيف كان يتسول الاهتمام, فإنه يتمني نفيك من الحياة, وعالم النسوة موسوعة كاملة فيها كل ألوان البغض والغيرة والكراهية والانتقام, وادعي أن نون النسوة قارة لم تطأها قدم! قلما عثرت علي إنسان سعيد في العمل أو الحب أو الزواج, ففي العمل تنمو الزنب وتكبر وتحتضر الكفاءة, وفي الحب, ماتت الرومانسية في ظروف غامضة وانصهرت الشموع حزنا, وفي الزواج, كان الزواج المبكر وحصد الطلاق المبكر, وفي العالم أزمة مادية طاحنة وأزمة مناخية طاحنة, وعلي صعيد السياسة, نقل لنا عمرو موسي قرفه من الوضع العربي, وانتهزت إسرائيل الشقاق الفلسطيني الفلسطيني وتقوم بتهويد القدس في أمان تام ورضاء العالم, وظهرت أن أماني أوباما التي صارحنا بها في جامعة القاهرة لم تكن سوي أحلام يقظة لا أكثر. والشارع مشغول بنص كيلو لحمة, والصيحات الاحتجاجية أصابت الناس بالكآبة, والصراع بين بعض الصحف أدهش القراء, والناس يتابعون مسلسل النواب الذين استثمروا عضوية مجلس الشعب في القمار والمحمول ويضربون كفا علي كف, وشباب مصر, قذفت به البطالة الي عرض البحر فغرق في قوارب السماسرة, فكانت دموع الحسرة ومسلسل نزيف الاسفلت مازال مستمرا وهيئة الطرق تلقي باللوم علي المرور والضحايا يسقطون, والصحف تفور ثم تخور! والتأمين الصحي أمل الملايين ( سمك في مية) غير محبوس والسنارة لم تغمز بعد, والضرائب العقارية حائرة بين منطوق الرئيس وكلام الوزير, ومرتبات الموظفين تتآكل بفعل الدروس الخصوصية للأولاد وكروت الشحن للموبايلات, والمتناقضات تحرق الدم والأعصاب, الضبعة أرض لمصر لم تدخل عصر النوويات, وعلماء مصر يتسولون الاهتمام ويشحتون بضعة آلاف للأبحاث وممثلة مصرية تطلب أربعة ملايين جنيه لفيلم يروج للمرأة أن تتزوج سبعة!! كل هذا يقلص مساحة الهواء النقي في صدرك, فكيف العلاج الأكيد قبل الاختناق؟ من خبرات حياتية أتصور أن الحل علي ثلاثة مستويات, الأول: أن تفهم حقيقة الصورة وظلالها مبحرا في الأسباب الجذرية متجاهلا السطح فهو مضلل( بكسر اللام), فبعض المجتمعات غير الناضجة تؤذيها الحريات, المستوي الثاني: هو قبول الواقع والتسليم به, وانتظار ما يسفر عنه الغد.. متسلحا بالتفاؤل حتي ولو كان كاذبا. المستوي الثالث: أن تكون( متفرجا) علي الأحداث والبشر بلا مشاعر, فلا تهددك بجلطة أو ذبحة أو سكتة قلبية, وحين أقول بلا مشاعر, فلست أقصد سوي الحياد المطلق الذي يراه برنارد شو موت للأشياء, و.. ولن تكون مهندس إنسانية يصلح الكون, هل هي دعوة سلبية؟ لا أظن, فإن رصد الجمود والتحجر, اهتمام غير منقوص بالشأن العام, ان الأسئلة المقيمة علي شفاه الناس تشكو اليتم وتنتظر الاجابات وتعود آخر النهار محبطة, وتدخل فراشها ترقد علي شوك القلق, وفي نهار اليوم التالي يأتي العنف بكل صوره وأطيافه في المجتمع, ان( نقص المعلومة) يزرع الغليان في الصدور, والدول التي تمارس حياة صحية لديها المعلومات من مصدرها لأنه حق أساسي من حقوق الإنسان, أن يعلم, لا يخمن أو.. يضرب الودع!