أخطر ما يواجه العملية التعليمية فى مصر الآن وقبل 40 سنة تحديدا، أن تترك لاجتهادات شخصية، وليس لاجتهادات مجتمعية، ومن بينها الخبراء المتخصصون. وقد أدى ذلك إلى كل هذه المآسى التى وصلنا إليها فى تعليمنا. وبالتالى فهو معرض للتراجع إذا سارت السياسات التعليمية على نحو ما يجرى الآن، ويعنى هذا المقال بالتركيز على نقطتين هما: إلغاء الشهادة الابتدائية بقرار وزاري، وفتح مدارس بمسمى «المدارس اليابانية» فى مصر بقرار وزاري!! والبداية مع المعلومات الأولية الصادرة عن الجهاز المركزى للإحصاء بمناسبة التعداد السكاني، حيث ورد أن (73%) متسربون من التعليم و 268% لم يلتحقوا به أصلا!! أى أن إجمالى المتدفقين لطابور الأمية قد بلغ 341% وبالتالى فإن المستمرين فى العملية التعليمية تبلغ نسبتهم (659%) من المرحلة السنية بين 4 سنوات وحتى 23 سنة، وهو ما يوازى عددا يبلغ نحو (225) مليون طالب وطالبة. بهذا المعنى فإن العملية التعليمية غير قادرة على استيعاب جميع الطلاب فى السن المناسبة بين (4 - 6) سنوات وبنسبة 100% وهو فشل كبير، لأن هذا لو تم لانتهت الأمية تماما، بينما الفشل فى الاستيعاب يؤدى إلى استمرار الأمية إلى أجل مسمي. وبالنظر إلى القرار الوزارى بإلغاء مسمى الشهادة الابتدائية، فإن السؤال الحاسم هو: هل هذا الإجراء يؤدى إلى إصلاح وتغيير العملية التعليمية إلى الأفضل؟! بالطبع لا أرى ذلك. وكنت أرى أن يتم دمج المرحلة الابتدائية مع الإعدادية فى مدرسة واحدة تسمى المرحلة الأساسية، أو كما نص الدستور مرحلة التعليم الأساسي، ويتم إعداد المدارس على هذا النحو وتوضع خطة لمدة (3) سنوات، ولكن تستمر الشهادة الابتدائية، وفى نهاية المرحلة الإعدادية يحصل الطالب على شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسى تنفيذا للدستور الذى لم يرد فيه اسم الشهادة الإعدادية، كذلك يتم وضع خطة تنفيذا للدستور أيضا لجعل التعليم إلزاميا حتى نهاية الشهادة الثانوية لتكون بعد ذلك شرطا لممارسة حقوق الترشح للمناصب. وهنا لابد أن يكون الحاصل على هذه الشهادة متعلما وواعيا، وليست مجرد شهادة يحصل عليها. ولذلك تسرع السيد الوزير عندما قرر إلغاء مسمى الشهادة الابتدائية دون مبررات أو إيضاحات أو رؤية متماسكة. الجانب الآخر فى الموضوع وهو بدء افتتاح المدارس اليابانية فى مصر فى عدد من المحافظات بلغت ثمانى حتى الآن، والغريب فى الأمر أنه لم تتضح أهداف هذه المدارس، ولا مناهجها ولا الجديد الذى تقدمه للأجيال القادمة. فالمدرسة اليابانية حددت المصاريف بين (ألفين إلى أربعة آلاف جنيه)، بخلاف زيادة سنوية 7% أو ما يوازى نسبة التضخم، بخلاف مصاريف الكتب الأجنبية المستوردة!! وبخلاف مصاريف الأتوبيسات وتقبل المدارس تحويلات حتى الصف الثالث الابتدائي!! كما أن السن بدأ بالحد الأدنى للقبول ب4 سنوات لمرحلة (ك.جي/1) ... إلخ. وهناك عدة أشياء أوجزها فيما يلي: - هل نقل المدرسة اليابانية إلى مصر، وخارج اليابان، مفيد لطلابنا وأبنائنا القادمين؟! والسؤال أين المدرسة المصرية المتميزة التى تعلمنا فيها وتخرج فيها الوزير ومعاونوه وعلماء مصريون مثل زويل، وأتشرف بأن أكون أحد خريجى المدارس المصرية الحكومية وتفوقت وأصبحت أستاذا فى الجامعة؟! فأين هذه المدرسة؟! - مصاريف هذه المدارس بهذا الحجم، أليس تمييزا على أساس القدرة على الدفع، وهل هذا التمييز ينتج طالبا مصريا منتميا لنسيج المجتمع؟! ألم نقل إن التعليم مثل الصلاة، يقف الجميع معا فى صف واحد خلف الإمام دون تمييز، وإلا فانتظروا الكارثة. أليس هذا جهدا حكوميا لإعطاء الفرص للقادرين على حساب غير القادرين. وموقفاى الفكرى والوطني، يقودانى إلى رفض أى مسمى على أى مدرسة، إلا مسمى المدرسة المصرية، وكذلك الجامعة المصرية، ويجب إلغاء جميع المسميات الأجنبية، واستشهد تأكيدا لمقولاتى السابقة أن التعليم صمام الأمن القومى للبلاد، حيث يقول د.محمد النشار وزير التعليم العالى الأسبق ان المدارس الأجنبية والدولية خطر على الأمن القومى (حديث للجمهورية فى 28 سبتمبر 2017م). فالقضية هي: مضمون العملية التعليمية وترسيخ أهدافها فى عقل ووجدان أبنائنا القادمين، وكل ما يحدث هو استمرار المخاطر على العملية التعليمية. فمتى نفيق؟! لمزيد من مقالات د. جمال زهران;