بمناسبة إقرار مجلس وزراء الإعلام العرب لوثيقة المباديء المهنية الإعلامية لحقوق الطفل التى وضعها لمجلس العربى للطفولة والتنمية، فإنى أود كمتخصص فى مجال الأخلاقيات أن أرسل للمهنيين العرب، الأكاديميين منهم وغير الأكاديميين هذه الكلمات من القلب. تهتم المؤسسات المهنية والبحثية المختلفة من قديم الأزل بما يعرف بوثائق المباديء الأخلاقية codes of ethics من حيث أنها الإطار الأخلاقى الذى يحكم العلاقة بين الأفراد فى المؤسسة وبينهم وبين الأفراد خارجها من ناحية أخرى. إذا أردنا مثالا سريعاً للقاريء يمكن القول إن وثيقة أخلاقيات نورنبرج 1947 تعد أول وثيقة فى العصر الحديث فى مجال أخلاقيات البحث العلمى المتضمن التجريب على البشر التى تنظم قواعد استخدام البشر فى الأبحاث العلمية. جاءت هذه الوثيقة نتيجة التجارب المخزية التى قام بها الأطباء الألمان على المرضى الذين كان أغلبهم مساجين فى أثناء الحرب العالية الثانية فى المرحلة النازية فى القرن الماضى والتى أودت بحياة الكثير منهم بينما تركت البعض بعاهات مستديمة. أثارت هذه التجارب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية النقاش حول ضرورة حماية البحث العلمى لكرامة الإنسان وحقوقه الطبيعية وبالتالى حول الإطار الأخلاقى الذى يجب أن يعمل فيه البحث العلمى الذى يستخدم الإنسان فى تجاربه وهو ما أدى إلى نشأة ما يعرف الآن بأخلاقيات البحث العلمى فى العالم الغربي. تم وضع عشرة معايير يجب أن يلتزم بها الطبيب متى أراد أن يقوم بتجربة على إنسان وهى ما عرفت بوثيقة «نورنبرج» والتى تعد أول وثيقة تصدر فى مجال الأبحاث على البشر. وضعت هذه الوثيقة معايير جديدة للسلوك الطبى أهمها ضرورة أن يسبق التجريب على البشر التجريب على الحيوان، وأن يقارن الباحث الفوائد المرجوة من البحث بالأضرار التى يمكن أن تحدث. وأخيراً أن المبحوث حر فى الاشتراك فى التجربة والانسحاب منها متى شاء. منذ ذلك الوقت، انتشرت ثقافة وثائق المباديء الأخلاقية التى تنظم العلاقة بين الأفراد بما يحفظ للإنسان حقوقه وكرامته وذلك فى كل مجالات البحث العلمى وفى المؤسسات المهنية. رغم أن أغلب هذه الوثائق ليست ملزمة من الناحية القانونية، ولكنها تعد أقوى من القانون لأن الهدف منها أن تشكل التزاماً ذاتياً من المعنيين بتنفيذها نتيجة قناعتهم بها وبضرورة تطبيق المباديء المكونة لها. القانون إلزام من الخارج، المباديء الأخلاقية التزام ذاتى من الداخل. القانون لا يلتزم به من لا يقتنع به ويمكنه الالتفاف حوله، أما ما اقتنع به فيتحول التزامى به إلى اعتقاد فى أهميته وأهمية الالتزام به، فيأخذ لديّ صورة أقوى من القانون. من هنا أنتهز فرصة ظهور هذه الوثيقة للمناداة بضرورة جعل كل وثيقة أخلاقية مادة تعليمية يتم شرحها سواء فى الكليات والمعاهد التعليمية المعنية أو من خلال ورش عمل للمعنيين بهذه الوثيقة وذلك لنشر الوعى بأهميتها وأهمية الالتزام بها لضمان تحقق هذا الهدف. فإذا كان قرار مجلس وزراء الإعلام العرب قد نص على ضرورة تعميم هذه الوثيقة على وزارات الإعلام والجهات المعنية فى الإعلام فى الدول العربية للاسترشاد بها، فما الذى يضمن تحقق هذا الهدف ما لم يتم شرح هذه الوثيقة سواء فى كليات الإعلام أو من خلال ورش عمل تقام للإعلاميين فى الصحف والمحطات الفضائية التى يعملون بها شرحاً تفصيليا يضمن قناعتهم بها وبكيفية تطبيقها؟ أرى أيضا فيما يتعلق بهذه الوثيقة - ضرورة تشكيل لجنة ممثلة للدول العربية لوضع آلية لمتابعة وتقديم تقرير عن مدى الأخذ بها، ثم تطويرها أو تطوير آليات الأخذ بها بناء على ما يأتى فى التقرير. دون نشر الوعى بوثائق الأخلاقيات ودون متابعة علمية جادة لمدى الأخذ بها وتطوير الآليات التى تؤدى للأخذ بها، يظل وضع وثائق أخلاقية مجهوداً لا يحقق المراد منه على الوجه الصحيح. أستاذ الفلسفة كلية الآداب جامعة المنيا خبير لدى اليونسكو فى مجال أخلاقيات العلم لمزيد من مقالات د. بهاء درويش;