لا ينكر أحد أن شبكات التواصل الاجتماعى كافة، كما لها من إيجابيات لا ينكرها جاحد، فإن سلبياتها أخذت تتعاظم حتى طالب بعض العقلاء بإلغائها بما تنشره من أكاذيب لإشعال الرأى العام وسلبيات ضارة بالمجتمع تنشر الكراهية والبغضاء فى البناء الاجتماعي. كشف الفيسبوك التناقضات الاجتماعية والتفاوت الاقتصادى والثقافي، وربما يكون ذلك أشد خطورة من استفادة الجماعات الإرهابية من شبكات التواصل ، لأن الحفاظ على تماسك البناء الاجتماعى أولوية أساسية لبقاء الدولة نفسها، وإذا فقدت السيطرة على التفاعلات الاجتماعية المتناقضة تزعزعت أركانها فى التنظيم السياسى والاقتصادى والأمني. أصبحت شبكات التواصل مرتعا للتعبير عن الحقد الذى عاناه الرئيس الأسبق (أنور السادات)، وكان يحتل مجالا واسعا فى خطبه، وأعتقد أنه لم يكن ليسمح بهذا النوع من الانفتاح، الذى عزز الفجوات الاجتماعية فاتسع الفتق على الراتق. رغم أن كل نصر علمى وتكنولوجى يأتى دائما فى صالح حرية ورفاهية الإنسان، إلا أن هناك ضوابط حتى يحقق هذا النصر هدفه، فعلينا التساؤل لِمَ لا تسبب هذه التقنيات الحديثة كل هذا التوتر فى الغرب، بينما لدينا أشعلت كل هذه الحرائق والحروب، فكانت بلا شك رأس حربة فى ثورات الدمار العربي، لزعزعة الدول الجامدة، بتفاعلات اجتماعية غير منضبطة، لا تعرف وجهتها، فيما يعرف بالفوضى الخلاقة، فعبثت هذه الفوضى بشعوب من لحم ودم، فحطمت كبرياءها مع ما حطمت من كيانات ومدن، دون تقديم بديل يرضى أحدا! ولم تقدم إلا العوار الاجتماعى من تناقضات وسلبيات وأحقاد وتخلف، لتحقق ما قاله الشاعر الإنجليزى (روديارد كبلينغ) الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا أبدا! أعتقد أن الفارق بينهما فى طريقة التفكير التى تتحسب للعواقب، فلم يكن يدر بخلدنا كل هذا العبث بوسائل الاتصال، وكشف عوراتنا الاجتماعية والانفجارات البيئية بين الشبكات الاجتماعية، وبين الأفراد بعضهم وبعض، فهناك من يأخذ راحته ليعبر عما يخطر بباله، ويسرع لإلقائها فى شبكات التواصل، كأنه فى حمام منزله، فانكشفت العورات الفكرية للناس، أمام بعضهم البعض، وربما لو تمهلوا فى الأحكام، ولم يكن فى يدهم هذا السلاح المباح، لغيروا آراءهم وأحكامهم. هذا التسرع المنفلت أنتج لوثة للنقد والتشفى فى أحكام غير ناضجة على النخبة المصرية، التى قامت الدولة على أكتافها، بقدرتها على الحفاظ على المؤسسات الوطنية، لتتركها للأجيال القادمة، حبا فى بلادهم، وأغلبهم لم يكن فى حاجة للبقاء فى مصر، وضحى بالفرص الثمينة فى خارج بلده، ليعيش زهوة العطاء للوطن، ويتمتع بمعانى الانتماء والوطنية، فكان جزاؤه التنكيل بكبريائه نتاج هذه اللوثة للإدانة التى تفشت فى كل مجال، ولا يقابلها إلا ما نتج من ثورات الخراب العربى من أشلاء الضحايا من الأطفال والكبار من تحت الأنقاض! تدمير النخبة تدمير بمعنى آخر للوطن! أصبحت وسائل الاتصال تعبيرا عن واقع التخلف ببلادنا، فالواقع الاقتصادى والثقافى المتخلف خلق بنى اجتماعية ذات نمط تسلطي، فخلقت أفرادا ذات بنية تسلطية، صبت جم إحباطاتها وتخلفها الفكرى على هذه المواقع، وكانت النخبة الفاعلة الناجحة موضع تقييم من العوام والحاقدين والفاشلين، وكلما كان نجاحها فى مواقعها، التى كانت ميئوسا منها باهرا، كانت عرضة لمعايير هلامية لتصيد الأخطاء، ومن العمى المتخلف أن يترك الفيل وما به من إنجازات، ليتم التشبث والتهييج على شعرة فيه، مستمدين حجتهم من علمنى الهيافة يابا... فامتلأ «الفيسبوك» باختلال المعايير، وبالأحكام المطلقة، ولا يعرفون عن «نسبية» (أينشتاين) إلا اسمها، فكان (أينشتاين) يقول: ليس عندى مشكلة فى غباء الإنسان، ولكن المشكلة فيمن يباهون بغبائهم!، فعندما تخسر البلاد المتفوقين المقتدرين على إدارة الأعمال! فمن يبقى لها؟..الفشلة!! ممن يبتغون السلامة مع خراب مؤسسات الدولة!! حتى يرضى أهل «الفيسبوك» ومن يحذون حذوهم! فى الغرب يتربى الأطفال على مفاهيم «النسبية» العلمية التى توصل إليها (أينشتاين) بعد اكتشافاته العلمية، التى قلبت موازين الفكر، فقد بيّنت ضرورة وضع الزمان كبعد رابع للأحكام الفيزيائية، وامتد ذلك إلى كل الأحكام فى كل الموضوعات، فلابد من وضع جميع الظروف الواقعية فى الاعتبار عند تقييم أى موضوع، بل وبعد النسبية ظهرت (ميكانيكا الكم) لتضع مبدأ «عدم التأكد»، وهو مبدأ يلتقى مع فلسفة العارف بالله «ذو النون» المصري، مما يحتاج إلى حديث آخر فمدد ياميكانيكا الكم، ومدد يا ذو النون لإنقاذ الفيسبوك ومن يتعاملون معه، ويجلسون عليه ليل نهار بلا شغلة ولا مشغلة إلا هدم الشغيلة الذين يحملون أعباء الوطن على أكتافهم!. لمزيد من مقالات وفاء محمود;