الإسكندرية أجمل شواطئ البحر المتوسط خاصة والعالم عامة. إذ حباها الله على شواطئها بأكثر من أربعين خليجا بمقاييس متفاوتة من الصغيرة كخليج كليوباترا وستانلى إلى كبيرة خليج المينا الشرقية والغربية وجميعها تتدرج بدرجات متفاوتة إلى البحر الأزرق الزمردى برماله البيضاء النقية خليج الميناء الشرقى يكون هلالا من المبانى المتدرجة على سلسلة ونظام معمارى متوافق فى الطراز ومتدرج فى الارتفاع من ميدان سعد زغلول إلى قلعة قايتباي. هذا يدل على وعى عمرانى معمارى متنور فى الفكر قوى مراع لمسئوليته عن النظام العام بالتدرج للاحترام التنسيق العام الذى إذا شذ فيه مبنى واحد أفسده. وجه الإسكندر مهندسه أن تكون عاصمته الجديدة على أساس تخطيط يونانى بشارع رئيسى (الكانوبي) يتجه شرقا إلى رشيد عابرا بوابة الشمس وغربا إلى الميناء الغربى وآخر عمودى على الرئيسى (السوما) يمتد من البحر شمالا إلى ميناء البحيرة جنوبا وهو نفس مسار شارع النبى دانيال، وهناك كثير من الشوارع الموازية للشارعين الرئيسيين تقسم المدينة إلى أحياء. وقد كان الاهتمام الأكبر بالمدينة حول الشوارع الرئيسية ولم يكن البحر أو البحيرة نقط اهتمام للسكان، وقد تحولت العاصمة الجديدة بعد مجهودات محمد على فى تطوير المدينة الحديثة لتتحول إلى نقطة جذب لهجرة الأوروبيين وإلى مدينة كوزمو بوليتانية لموقعها كمعبر تجارى بحرى عن طريق الاتصال المائى بين البحر الأبيض والأحمر خلال ترعة المحمودية وطريقا للتجارة البرية بين الشرق والغرب عبر السكك الحديدية منها إلى القاهرة ثم السويس، ثم تطورت إلى عاصمة صيفية ثانية تنتقل الوزارة إلى مقرها الرسمى فى بولكلي. هذا التطور صاغته الأجيال المتعاقبة بالطابع الأوروبى وبالذات اليونانى والإنجليزى والفرنسى والأرمنى والذى أمتد بالتنمية والعمران شرقا بامتداد خط سكك حديد ثم الترام الكهربائى وامتداد البناء إلى ضواحى الرمل شرقا بتطوير عائلات أجنبية ومصرية تجارية وصناعية كعائلة انطونيادس وزيزينيا وبولكلى وجناكليس. كما انتقلت إليها أميرات وأمراء العائلة المالكة وتنافسوا على إنشاء القصور وجاءت الطفرة الكبرى للإسكندرية بعد طول تجاهل للبحر بإنشاء حكومة صدقى باشا للكورنيش الذى طور السياحة ومدها شرقا من محطة الرمل إلى قصر المنتزة المقر الصيفى للملوك، وازداد الاهتمام بالخلجان لتتحول إلى شواطئ للمتعة للظهير السكاني. فجأة تحول الكورنيش من طريق سياحى ترفيهى إلى شريان مرورى رئيسى سمح فيه بالأبراج الشاهقة التى شغلتها المساكن والفنادق والمطاعم وأغلبها يعتمد على الكورنيش لوصول زوارها ومرتاديها وتموينها وخدماتها، هذا الكورنيش الذى صمم كمصب لطرق فرعية تحول إلى فاصل بين السكن والبحر كطريق رئيسى للمواصلات الخاصة والعامة. لقد اتجهت الجهات الحكومية إلى تخفيف الوضع بالاتجاه نحو تقصير الدوران حول الخلجان بإلغاء أحدها وأجملها وهو خليج ستانلى بأن قامت بعبوره بين طرفيه بكوبرى على أعمدة فى البحر. صحيح أنها جملته بأن وضعت على أطرافه بوابتين على شكل بوابات المنتزه بطرازها الإيطالى الغوطي. حل السرور على أهل الإسكندرية بأنهم دخلوا قصر المنتزه آخذين «سيلفى» أمام بوابتين بخلفية البحر وهو الأمر الذى لا يستمتع به زوار قصر المنتزه أنفسهم. ولكن هل حلت الحكومة بهذا المشروع مشكلة المرور أم أضافت إليها؟؟ مما لاشك فيه أن الإسكندرية اكتسبت بوابتين للمنتزه وخسرت خليج ستانلي. غير الكوبرى من طبيعة المنطقة خالقا حاجزا بصريا بينها وبين البحر المفتوح كما أخل بطبيعة المياه والأمواج التى تعلمت فيها السباحة فى طفولتى فى ركن من الشاطئ عرف بهدوئه «بركة ستانلي». كما أخل بالتوازن البيئى والبيولوجى فى المنطقة والتى غيرت من الحياة السمكية وطبيعة المياه والأمواج. والآن وقد اشتكى ضيوف الإسكندرية من الشباب فى مؤتمرهم الأخير من المرور بالرغم من كل الترتيبات الخاصة التى لانشك أنها اقيمت لتفادى تعطيل العمل فى المؤتمر. وقد طالب السيد الرئيس بحل مشكلات المرور فى الإسكندرية وذلك بخلق محور مرورى جديد وهذا يذكرنا بما ابتدأنا به فى هذا المقال وهو تخطيط الإسكندر الأكبر الأصلى للإسكندرية وأعود إليه الآن للإسكندرية بخلق محور مستمر مواز لشاطىء البحر بتوسيع المحور التاريخى متفرعا منها شارع الحرية (شارع رشيد شارع فؤاد الأول) على أن يبنى الطريق على دورين للاتجاهين أو بدائل له خطوط فرعية إلى البحر تقع عليها المساكن بمداخلها وخدماتها الخلفية وتنتهى بأماكن انتظار السيارات خارج منطقة الكورنيش. عندئذ يتحول الكورنيش إلى طريق مملوء بالنخيل الفاصل من اتجاهين للسيارات ودراجات النزهة تصل بين الفنادق والمساكن يزخرف بالمطاعم والكافتيريات والمقاهى والتى لا يزعجها المرور الثقيل كما هو الحال فى نيس وكان واطلاتنك سيتى وكويبك وكونى ايلاند. على الدراسة التخطيطية التفصيلية أن تتبنى الفكرة وتقوم بعمل خطوط التنظيم الجديدة لكى يعود الكورنيش كطريق هادئ وتنتهى قبله طرق المواصلات وليتحول إلى مرور محلى بدلا من كونه الآن شريانا رئيسيا تصب فيه الشوارع الفرعية وتذكرنى تلك المقارنة بواقعة حدثت لى فى شبابى انفلتت منى عربة أطفال بها أحد أطفال العائلة لتجرى من شارع فرعى منحدر مندفعة إلى كورنيش البحر. جريت وراءها صارخا فوقفت لها سيارات الكورنيش حتى عبرت عربة الطفل الكورنيش منفردة إلى رصيف البحر واتخيل وأنا اتصبب عرقا ما يحدث اليوم إذا ما تكررت هذه الواقعة. أستاذ العمارة جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د. على رأفت;