المثير للاستغراب فى رد الفعل على «هدية» الرئيس التونسى قايد السبسى إلى المرأة التونسية فى عيدها ليس لغة البيانات التى صدرت عن الأزهر الشريف وبعض المؤسسات الدينية حول العالم من جهة وبين دارالإفتاء والمؤسسات النسوية فى تونس من جهة أخرى، ولا القلق من الحوار الذى وصل إلى درجة التلاسن والتنابز والاتهامات بالخروج على الملة التى وصلت الى المطالبة بسحب الثقة من الرئيس التونسى لوقف ماسموه نسوية الدولة عكس ذكورية الدولة واعتبار مطالبه قنبلة الى صدر العالم الاسلامى تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية لأن الرئيس التونسى طالب بتعديل القوانين التى تفضى إلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل فى كل شىء بما فيها الميراث وإلغاء القانون الذى صدر عام 1973بمنع زواج التونسيات من غير المسلمين. لكن المثير والمحزن الذى يدعو إلى اليأس أن نخبنا الفقهية والدينية فى العالم الاسلامى ومصر بصفة خاصة تعود إلى نفس القضايا التى ناقشها أسلافنا منذ أكثر من مائة سنة، لكن بلغة أكثر بداوة وبمصالح أكثر تمرغا فى وحل التسييس، ظاهرها الغيرة على الإسلام وباطنها التهرب من خطاب دينى مستحق وواجب وفرض عين يعالج قضايا اجتماعية تئن تحتها حقوق المرأة فى مجال الميراث والتعليم والثقافة بسبب العادات والتقاليد فى قرى مصر وصعيدها، ربما لو عولجت لما اضطرت المسلمات للوقوع فى هوى غير المسلمين والزواج منهم! بين يدى هدية من الدكتور جابر عصفور وهى المجلد الأول من مجلة السفور التى أصدرها عام 1915 عبد الحميد حمدى واعادت إصدارها دار الكتب والوثائق القومية يتصدرها تقديم من الوزير حلمى النمنم يتضمن عدد 19 نوفمبر «باب الاجتماع» مقالا بعنوان المرأة المصرية والرجال الأجانب: يسترعى نظرنا فى هذا العهد أن نرى نساء مصريات فى المتنزهات والضواحى بل وفى الشوارع العامة تصاحبن رجالا من الفرنجة وما يكون لنا أن نسجل سوء الظن بأولئك السيدات، ولا برفقائهن فقد يكون حبا بريئا ذلك الذى يجمع بين رب القبعة وربة البرقع فى عربة واحدة، لكن الذى يوجع قلب السيد (م) كاتب التقرير ان فى أوروبا التى تعرف حرية الاختلاط ما لاتعرف بلادنا أن السيدات هناك يفضلن أن يرتدى الأجنبى لباس الأوروبيين حينما يرافقهن فى الطرقات والمجامع حتى لا يلفت الأنظار، ويطلق الألسنة فى أعراض مصونة، وعلى نسائنا أعزهن الله أن يتلطفن ويحملن أصدقائهن من الفرنجة فيلبسوا الطرابيش أو العمائم أو اللبد مما قد اعتاد قومنا أن يلبسوه وقد لا يشق على محب أن يقدم هذه التضحية لحبيب! ولما كان المحرر (م) يستبعد قدرة نسائنا على أن يفرضن زيا شرقيا على عشاقهن الأجانب وإنا لنكره أن يحق على الراغبات عن أبناء جنسهن المثل العامى (زى النخلة العوجة ترمى لبرة) فإن المحرر يهيب بنسائنا: «إذا كن يشعرن بالحاجة الملحة إلى «العشق».. فإن رجالنا إلى ذلك العشق أحوج وهم به أجدر.. وهو أصل لكل سعادة ، ولكن نفوسنا لا تطيب بأن نجعل شرنا لقومنا ونهب خيرنا للغرباء، وأن كل نفحة من جمال تقطف أزهارها يد غير مصرية لهى خسارة على مصر وما مصر بالبلد الغنى من الجمال! الملاحظ أن هذه القضايا أثيرت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وفرض الحماية البريطانية على مصر بعد انفصالها عمليا عن الدولة العثمانية وبداية البحث عن الهوية الوطنية، وهى الظواهر التى نبه إليها المحرر فى مقاله حين واصل: الرجل المصرى قد يعشق المرأة الفرنجية عشقا كاملا اما الفرنجى فيلذ له ان يلهو بسذاجة المرأة المصرية مسلمة أو مسيحية أو يهودية فهى طريفة بالنسبة إليه لكنه لا يستطيع ان يعطيها قلبه ويملك هواها قيادة مادام يملأ صدره العزوف بجنسيته عن مساواة الشرقيين. والمرأة الاوروبية وهى من هى فى تعليمها وتربيتها وسعة تجاربها تخدع بمظاهر الحب المشوب وكثيرا ما تذهب ضحية للأشرار من الرجال الذين يلعبون بقلوب النساء الرقيقة، فمن حقنا ان نخاف على امرأتنا الرقيقة الساذجة كل الخوف اذا هى عرضت فؤادها لمن ربما هان عليه ان يطرحه، وقد ترك جراح هيامه وغرامه دامية، ولو وقف الامر عند الطبقات الجاهلة الفقيرة لهان الأمر وكان البلاء أخف، لكن الرواة والكتبة يحدثوننا عن فتين كريمات تفتنهن القبعات فتونا ولعل هذا ما يدعونا للتفكير فى تغيير غطاء الراس ونحن على باب الشتاء!.. اما بعد ايتها المرأة المصرية فحافظى على حيائك، إنا أعطينا كل شىء للمحتل، فليبقى العرض لنا! .. وفى مقال آخر يحذر: واحذرى قوما يدعون الغيرة على الدين فيهبون صارخين فى وجه كل طالب إصلاح من غير ان يفقهوا ما يقولون .. فإذا استقصيت امرهم وجدتهم رءوس عصابات تعمل فى السر على تمزيق حجاب العفة وهتك استار الحياء بأيد أثيمة ونفوس جانية شريرة ! والسفور التى لم تتحمش ل«العشق» بين المصريات والأجانب «فقد أعطينا كل شيء الأرض والإرادة والقرار فليبقى العرض لنا».. كتبت ذلك منذ مائة سنة بدافع وطنى وليس دينيا، وهذا المقال يبرئها من تهمة عدم الحياء بل كانت مجلة اجتماعية ضد النفاق تنادى بالوضوح الشامل فى كل أبواب التقدم والإصلاح، لا تهتم بالحرب ضد «الحجابيين» فقط ولكنها ترى المرأة وحدها ليست هى المحجبة ولكنها محجبة نزعاتنا وفضائلنا وكفاءاتنا ومعارفنا وأمانينا! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;