كما هاتفنى رئيس جامعة القاهرة السابق الأستاذ الدكتور جابر نصار فى مساء الثلاثاء 20/9/ 2016 ليدعونى للمساهمة معه فى إحداث تيار رشدى فى جامعته من أجل القضاء على الفكر المتطرف المهدد لعقول الطلاب، هاتفنى رئيس جامعة القاهرة الآن الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت فى مساء الخميس 10/8/2017 للمساهمة معه فيما يريد من اجتثاث فكر الإخوان المسلمين باعتباره فكراً ارهابياً وما يلزم عنه من فكر سلفي. وهذا هو ما ردده فى الحوار الذى أجرته معه صحيفة المصرى اليوم والمنشور بتاريخ 11/8/2017 إذ قال: «الإخوان المسلمون جماعة ارهابية والسلفيون لديهم حزب سياسى ونواب فى البرلمان لكن الجامعة ليست مكانا للعمل الحزبى السياسي». وفى هذا السياق دعانى إلى حضور أول جلسة لمجلس أطلق عليه اسم «مجلس الثقافة و التنوير» مكون من رموز الفكر والثقافة فى المجتمع. لم أتردد فى قبول الدعوة لسببين: السبب الأول مردود إلى أنه تلميذى الذى أزهو به، إذ التفت إليه عندما كنت عضواً فى اللجنة المكلفة بمنحه درجة الماجستير فقررت فى حينها أن أرعاه أكاديمياً وقد سمحت هذه الرعاية بأن أكون عضواً فى اللجنة المكلفة بمنحه درجة الدكتوراه، ثم تابعته فى الترقية إلى أستاذ مساعد وأستاذ. والسبب الثانى مردود إلى أنه تجاوز التلمذة إلى الزمالة فى الأستاذية الملتزمة بإحداث نقلة كيفية للجامعة لكى تدخل القرن الحادى والعشرين. وهنا أود التنويه بأن النقلة الكيفية لا تتحقق إلا بتراكمات كمية وقد بدأناها معاً مع نخبة من المثقفين المتنورين فى لقاءاتنا المنتظمة مع رفيع المقام الأستاذ الدكتور جابر نصار. والسؤال بعد ذلك: متى تأتى اللحظة الحاسمة التى فيها تتحول التراكمات الكمية إلى نقلة كيفية؟ جواب هذا السؤال مسئولية رئيس جامعة القاهرة الراهن الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت وذلك بسبب أنه عندما تدخل الدولة فى زنقة أو مأزق ليس فى إمكان أحد إخراجها منه سوى الأفراد الأفذاذ المبدعين الذين يتقدمون النخبة، لأن لديهم سلطة إصدار القرار. مثال لما أقول، الامبراطور فردريك الثانى فى القرن الثالث عشر عندما أصدر قراراً بخروج أوروبا من «زنقة» العصور الوسطى المظلمة الأولي، وقد كان، والرئيس عبد الفتاح السيسى فى القرن الحادى والعشرين عندما قرر إخراج مصر بل إخراج كوكب الأرض من «زنقة» العصور الوسطى المظلمة الثانية المحكومة بفكر مضاد للحضارة وهو فكر الإخوان المسلمين. ومن هنا يأتى لزوم أن يكون الدكتور الخشت رئيساً لجامعة القاهرة. ولا أدل على صحة ما أقول من الحملة الشرسة الجاهلة التى أعلنتها شبكات التواصل الاجتماعى ضد تلميذى وزميلى. ولا أدل كذلك على صحة ما أقول من كم الاتصالات التليفونية التى انهالت على صاحب هذا المقال والتى يمكن إيجازها فى عبارة واحدة: مع تعيين الخشت يكون مولد أفول العقل! وكان تعليقى: إنه تلميذى فكيف يكون كذلك؟ ثم استطردت قائلا على هيئة سؤال: ماذا كان مسار الدكتور الخشت معي. كان مديراً لمركز اللغات والترجمة فأشرف على إصدار كتاب يضم أبحاثاً عن فلسفتى وأصدره تحت عنوان «مراد وهبه فيلسوفاً (2014)». واللافت للانتباه أن أحداً لم يكتب حرفاً عن هذا الكتاب وكأنه لم يصدر. ولا أدل على صحة ما أذهب إليه أيضا من أنه لو كان قد كُتب عن ذلك الكتاب لما حدثت هذه الحملة الشرسة الجاهلة، ولما حدثت الاتصالات التليفونية التى تنم عن عدم القراءة لا لذلك الكتاب فقط بل لكل مؤلفات الخشت. هذه مقدمة لازمة لإثارة السؤال الآتي: ما هى رؤية الخشت لمستقبل جامعة القاهرة؟ أنا أنتقى فقرات من تقديمه للكتاب الذى صدر عن فلسفتى وهى على النحو الآتي: لعلكم تشاركوننى الرأى فى ضرورة إعادة الاعتبار للعلم والعلماء، وتنمية كفاءات التفكير والمبادرة والإبداع، وانتهاج سياسة الحوار، وفتح باب المناقشة الحرة بين الأجيال. وندعو الأجيال الجديدة إلى جعل أعمالها القادمة منبثقة من طموحات هذا الوطن، الأمر الذى يقتضى التوقف طويلاً للتأمل وإعادة بناء الأفكار من أجل الاستغلال الأمثل للثورة العلمية والمعرفية والتكنولوجية التى أصبحت لها أبعاد تمس كيان الانسان وحياته ووجوده بل ومستقبله. وأظن أن أهم ما جاء فى هذه الفقرة قوله «إعادة بناء الأفكار». والسؤال اذن: ما هى هذه الأفكار المطلوب إعادة بنائها حتى تتمكن جامعة القاهرة من تحقيق رسالتها فى توليد العلماء المبدعين المنفتحين على المجتمع؟ إنها الأفكار التى تروج لها جماعة الإخوان المسلمين والتى تنص على ضرورة هدم الحضارة الغربية التى أفرزت عصرين وهما عصر الإصلاح الدينى الذى يدعو إلى تحرير العقل من السلطة الدينية، وعصر التنوير الذى يدعو إلى تحرير العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل. وفى رأى سيد قطب أن هذين العصرين يعبران عن مرض عقلى اسمه «الفصام النكد» وهو يعنى فصل الدين عن الحياة. هذه هى الأفكار المطلوب هدمها لكى نبنى أفكاراً تستحق الحياة. وقد عبَر الدكتور الخشت عن هذه الأفكار فى الجلسة الأولى من افتتاح «مركز الثقافة والتنوير» بجامعة القاهرة فى يوم الأربعاء الموافق 16/8/2017 عندما قال إنه يريد تأسيس تيار تنويرى يقف ضد التطرف مدعماً بالتفكير النقدي، الأمر الذى يستلزم إصدار وثيقة تفصَل القول فى هذا المعني، ويكون إصدارها تحت عنوان «وثيقة التنوير». والسؤال بعد ذلك: هل فى إمكان تفصيل هذه الأفكار أن تتحول إلى مشروعين وهما كالآتي: الرشدية العربية معبرة عن التيار التنويري، والعلمانية معبرة عن التفكير النقدى الذى هو بالضرورة تفكير نسبي؟ الجواب متروك للرموز الثقافية التى دعاها رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت. لمزيد من مقالات مراد وهبة;