إذا كانت معظم الحرائق من مستصغر الشرر، فإن معظم الحوادث من مستصغر الخطأ الذى قد يكون، نتيجة للإهمال والاستهتار واللامبالاة، فلم تكفنا الدماء التى تسيل على الأسفلت نتيجة لحوادث السيارات وتسيل على النيل نتيجة لغرق العبارات، فنجد دماء تسيل على القضبان، فى حوادث متكررة، فكم كانت مؤلمة كارثة صدام قطارى السكك الحديدية بالإسكندرية، والتى راح ضحيتها 42قتيلا، ولا أدرى كيف يقف قطار به عطل لمدة تزيد عن نصف الساعة على خط سكك حديدية تعمل عليه قطارات أخري، ولم يكلف أحد من قادة القطار نفسه بالإبلاغ عن العطل، وسحب القطار، أو يستخدم وضع إشارات القضبان لتحذير القادم من الخلف وإيقافه، وهناك وسائل استغاثة كثيرة، وأقربها الهواتف المحمولة، إذا كانت وسائل الاستغاثة عاطلة فى هذا المرفق المهم!!. وأذكر واقعة حدثت فى النصف الثانى من القرن الماضي، إذ تعطل قطار أمام إحدى القرى على خط الصعيد ليلا، وكان القطار الآخر القادم من الخلف «الأكسبريس» قد غادر القاهرة فى طريقه إلى أسوان، وتبقى على وصوله لهذه القرية نحو ساعة، فقام عامل التحويلة، الذى ليس لديه أى وسيلة اتصال، بخلع جلبابه الوحيد، ولفه على عصا طويلة، وسكب عليه كيروسين وأشعله، ثم أخذ يجرى على القضبان رافعا هذه الشعلة فى محاولة لملاقاة القطار الاكسبريس المقبل من القاهرة وإيقافه، وبالفعل استطاع أن يلفت نظر سائق الأكسبريس، وتم إيقاف القطار، ومنع الكارثة المحققة، وأنقذ العشرات بل المئات من الأرواح، وقد كرمته الدولة على هذا العمل البطولي، وهذا نموذج للمواطن المصرى الأصيل، الذى لا يملك سوى جلبابه، فضحى به من أجل إنقاذ الآخرين... فماذا حدث لأبناء مصر؟ حتى نرى هذا الواقع الأليم فى أهم وأقدم مرفق لنقل الركاب بمصر، وأمام هذا المشهد المؤسف، أصبح من الضرورى الوقوف على أسباب هذا الحادث البشع بصراحة معلنة، من خلال التحقيقات، لتكون هذه نقطة البداية للإصلاح الشامل، وينبغى أن نتنبه لما يحاك لنا، فسواء كان هذا الحادث متعمدا، أو غير متعمد، فالنتيجة واحدة، وتبقى الخطورة فى سلوك العناصر البشرية العاملة التى تعد أكثر خطورة من العيوب والأعطال الفنية، إذ يجب التخلص منها، فلا جدوى من إنفاق المليارات من الأموال فى ظل وجود هذه العناصر المستهترة، إذا أردنا الإصلاح، وحماية الأرواح، والعمل على تفادى تكرار مثل هذه الحوادث. مجدى حلمى ميخائيل النادى الدبلوماسى المصرى