«يا نجيب حقهم، يا نموت زيهم» هى عقيدة فى قلب وفكر كل فرد فى الجيش المصرى ضباطا وجنودا، فالاستشهاد بالإضافة إلى أنه هين فى سبيل الوطن، فإنه هين أيضا فى سبيل الثأر لكل زميل لهم استشهد فى أرض المعركة برغم يقينهم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون.. هذا هو جيش مصر العظيم منذ عهود القدماء المصريين، وأولهم القائد أحمس الأول عام 1580ق.م، الذى استكمل المعارك بعد مقتل والده فى الحرب ضد غزاة مصر من الهكسوس، ولم يكن قد تعدى التاسعة عشرة من عمره، فحاربهم بضراوة على رأس جيشه، وكان أول من استعمل العجلات الحربية، وهزمهم شر هزيمة وطردهم من صعيد مصر ثم من عاصمة حكمهم فى منطقة الدلتا ولاحقهم إلى فلسطين، وحاصرهم وفرق شملهم حتى استسلموا، ولم يظهر الهكسوس بعد ذلك فى التاريخ. وما أشبه اليوم بالبارحة فى عصرنا الحديث، فقد استطاع الجيش المصرى أن ينهض بعد كبوته فى 1967 ويكثف تدريباته ويطور أسلحته، ويستخدم العلم الحديث فى تطبيقاته حتى حقق انتصارا كبيرا فى أكتوبر 1973 خلال ست سنوات فقط، وكانت معجزة بكل المقاييس قهر فيها هكسوس العصر الحديث بهزيمة مدوية ستظل تدرس فى المعاهد العسكرية لأمد طويل، واستطاع تحرير أرضه التى احتلت من قبل واستردادها عسكريا وسياسيا.. ولأن مصر درة العالم بوضعها التاريخى والاستراتيجى والجغرافى مستهدفة دائما، فسيظل جيشها فى حالة استنفار دائم، جاهزا لكل التحديات بالكفاءات، وبأحدث الأسلحة لحماية حدودها من الطامعين واستخدامهم الإرهابيين لتحقيق ذلك، ولكن الله ناصرنا بإذن الله.. وقد قالها رسول الله عليه الصلاة والسلام لجنوده منذ أكثر من 1400 عام: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا، فذلك الجند خير أجناد الأرض)، فسأله أبوبكر: ولم يارسول الله؟.. قال: (لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة) .. وهكذا هم رجال الجيش المصرى دائما وأبدا فى رباط دائم، ونسيج واحد دون تعصب عرقى أو دينى أو فئوي.. إذن فلا عجب. وخير مثال على هذا الرباط تضحية الفرد فى سبيل سلامة الجماعة كما حدث أخيرا من جرأة قائد الدبابة فى سيناء الذى دهس بدبابته العربة المفخخة، وهو يعلم مخاطر ذلك فى استشهاده، ولكنه لم يتردد وفعلها بهدف حماية النقطة الارتكازية بما فيها من زملاء له وتجهيزات ومعدات عسكرية، وبالمثل ما يقوم به رجال الشرطة الأبطال من محاربة الإرهاب وتعرضهم للمخاطر وتقديم التضحيات بأرواحهم حماية للبلاد، ويجب ألا ننسى أهالى الشهداء وما تتكبده قلوبهم من فقد فلذات أكبادهم، ولكنهم بصبر وإيمان شديدين يكتمون أحزانهم ويحتسبوهم عند الله فداء للوطن، وهم أحياء عند ربهم يرزقون!. د.مصطفى شرف الدين