فى مرحلة الدراسة الابتدائية خلال عقد الستينيات من القرن الماضى أى فى فترة الحكم الناصرى التى يصفها البعض ظلما ب «اشتراكية الفقر» أتذكر جيدا أن المصاريف الرسمية لم تكن تتجاوز «نصف جنيه» للسنة الواحدة نحصل خلالها على كتب وكراسات وعلم متكامل ومتقدم وأنشطة زراعية وصناعية ورياضية وفنية وثقافية ووجبة غذائية يومية طازجة ومفيدة وغير«فاسدة». الأهم من ذلك أن التطعيمات الصحية كانت منتظمة فى مواعيدها مع مراعاة المتابعة الصحية الدقيقة للتلاميذ، وأتذكر جيدا أنه خلال شهور الدراسة وبمعدل مرة كل ثلاثة أشهر على وجه التقريب كانت المجموعات الطبية الرسمية تأتى إلى الفصول لتفحص التلاميذ طبيا تلميذا تلميذا بقياس الطول والوزن وفحص النظر والكشف على الأسنان وقياس النبض وضربات القلب للتعرف على كفاءته وكذلك فحص الرأس والشعر والحالة الصحية للجلد، كل ذلك يتم رصده فى ملف مستقل لكل تلميذ لمعرفة تطور الحالة الصحية له، وفى حالة الاشتباه فى اى مرض أو خلل صحى يتم على الفور تحويل التلميذ إلى «الصحة المدرسية» لمزيد من الكشف والفحص والعلاج إذا تطلب الأمر، طبعا كل هذه الإجراءات بلا أى مقابل على الإطلاق، كنا نلمس اهتماما شديدا وإخلاصا متناهيا فى تأدية هذه المهام من الأطباء والممرضين والمعالجين بلا تأفف أو ضيق أو بحث عن مصالح شخصية، لقد اختفت هذه الأشياء منذ سنوات بعيدة بل وزاد عليها فساد الأغذية والذمم والضمائر وفساد العملية التعليمية نفسها، سيقولون الزمن غير الزمن والأعداد غير الأعداد، نقول لهم إن المسألة نسبة وتناسب وترتبط اساسا بنجاح التخطيط المرحلى وطويل المدى، فلا يعقل أن تكون «اشتراكية الفقر» - على حد وصفهم الزائف - أفضل حالا وأكثر تقدما بمئات المرات من «رأسمالية الثراء»!. لمزيد من مقالات عماد عريان;