فى الندوة الثالثة «صلاح عبد الصبور مثقفا» التى شهدتها القاعة الرئيسية أول أمس، وشارك فيها د. فاطمة قنديل، ود. أنور مغيث ود. محمد الشحات، وأدارها الشاعر شعبان يوسف, الذى قال: «عبد الصبور محيط هادر، مثقف إشكالي، ينطق حكمة وثقافة، تظهر أعلى صوره الثقافية فى كتابه «حياتى فى الشعر»، ومن أكثر المساحات ذات الإشكالية علاقته بالسلطة، أعنى أنه كان يتمتع باستقلالية إلى حد كبير، لكنه عاش فى زمن سلطة استقطابية. وقالت د. فاطمة قنديل: «عبد الصبور مثقف موسوعى يعرفنا بالسينما وبالمسرح وبالشعر والشعراء، واللافت أنه فى وقته لم يكن عندنا شبكة معلومات، ولم تكن لدينا معرفة بما يصدر فى الغرب إلا قليلا.. فكيف تجاوز عبد الصبور هذه الفجوة الكبيرة وكيف استطاع التعاطى مع هذا العالم؟ والجواب بالدأب. ويُحكى أنه جمع قصيدة «الطلاسم» فى سنوات لم يعرفها مرة واحدة، هذا هو ما يجعلنا نعى مفهوم الثقافة عند عبد الصبور، فالمعرفة انتاج وتراكم . فى تعامله مع التراث تعامل باعتباره مثقفا وناقدا، فتعامله مع ميراثه الشعرى اعتمد على فكرة الانتقاء والاختيار، لذلك يقول: «أنا مريض بالسؤال عن العلة». هو مثقف يختار ما يراه ملائما لمزاجه ومزاج عصره، وكذلك تعامل مع كبار الشعراء، فالقضية عنده هى القيمة، والظروف المحيطة لذلك قال «أنا سأحكم على شوقى من خلال عصره»، وفى سياق تناوله لعلى محمود طه قال «الشاعر لا يقاس بكم ما أنتجه فى عصره ولكن بما تركه من إبداع يؤثر فى من جاءا بعده من الشعراء». ويقول أيضا: «سؤال الشاعر الرئيسى فى الحياة هو عن دوره وكيف يسلك بين الناس، وما القناع الذى عليه أن يضعه على وجهه ليواجه به العالم؟» وهكذا جعله وعيه الثقافى يقول: «على الشاعر أن تكون علاقته بذاته أولا، وعليه أن يتخلى عن الجماهيرية». داعيا الشاعر إلى أن يقرأ كل التيارات الفكرية والعلمية ويعرفها ويتمثلها وينظر إليها من منظوره، وهو هنا يتحدث عن الحقول المعرفية. ويشكو من تدنى الثقافة الى المرتبة الدنيا فى المجتمع. وهذا يجعلنا نتساءل عن: مكانة الثقافة وكيف نستطيع أن نحيا فعليا بوعى ثقافى ومثابرة. وقال الناقد أنور مغيث: أثر عبد الصبور فى وجداننا الوطنى والاجتماعي. ففى كتابه «قصة الضمير المصري» نرى أن الضمير المصرى ليس قصة «تكوّن» بل قصة تكور وتكوين. فيه اختار فترة من أخصب فترات التاريخ المصرى فى العصر الحديث، من البارودى إلى العقاد، وهى التى تبناها معظم المهتمين بالتاريخ المصرى فى العصر الحديث فى شبه إجماع، والجديد عند عبد الصبور هو فى طريقة التناول، ويرى أن أعلام مصر فى تلك الفترة كانوا أبطالا بالمفهوم التراجيدى للبطل، أى الذى تسوقه الأقدار للعب دور خطير. وقال د. محمد الشحات: كانت لدى عبد الصبور رؤية للعالم، وكان يرى أنه لابد أن يكون المنجز الإبداعى مؤثرا. وقال إن عبد الصبور استطاع أن يقدم مسرحا مخلصا لفن المسرح دون أن يتخلى عن شاعريته. واستطاع أن يطوع الجملة الشعرية للفعل الدرامي، وتعامل مع التراث تعاملا اشتباكيا، فتناص معه، وأعنى بالتراث: التراث الإسلامى والمسيحى والصوفى والشعبي، كل هذا كان حاضرا فى ابداعه، وكان قادرا على إعادة انتاجه. كان عبد الصبور مثقفا حالما بالعدل والحرية، واعيا ومستشرفا للمستقبل، موسوعيا، ومتعددا، وفاعلا، يرى أن التغيير سيحدث يوما.