ضربات سريعة ومتلاحقة صوبها الرئيس الأمريكا أوباما علي خصومه وبعض حلفائه، وكأنه يصفي حساباته قبل أن يغادر البيت الأبيض، وشملت قائمة أهدافه كلا من خليفته دونالد ترامب، والرئيس الروسي بوتين، وجاءت أقوي ضرباته باتجاه الرئيس التركي أردوغان، ونال أيضا من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وأناب وزير خارجيته جون كيري في إطلاق رصاصتي صوت علي كل من إسرائيل والسعودية، أحدثتا حالة من الانزعاج والغضب، وإن كانت غايتهما التحذير والتنبيه. آخر ضربات أوباما وجهها إلي بوتين، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية عن طرد 35 دبلوماسيا روسيا دفعة واحدة، واتهمتهم بالتجسس والتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، لتمس الضربة خليفته دونالد ترامب، الذي سبق أن شكك في فوزه في الانتخابات، عندما طلب أوباما بالتحقيق في قرصنة روسية مفترضة علي حواسيب وزارة الخارجية الأمريكية، وادعي أنه يمتلك معلومات عن دور روسي في استخدام هذه البيانات ضد هيلاري كلينتون في أثناء الحملة الإنتخابية، ومضي قدما ليعلن فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد شركات روسية. وكان أوباما قد حاول إهانة الرئيس الروسي، بالقول إن أمريكا أقوي كثيرا من روسيا عسكريا، وأن روسيا دولة لا يمكن أن تكون منافسا للولايات المتحدة، وهو كلام غير مسبوق علي الصعيد الدبلوماسي،ولا يعني سوي أن أوباما بلغ به الغضب من بوتين حدا أخرجه عن صوابه. الضربة الأعنف وجهها أوباما إلي حليفه السابق أردوغان، عندما قام بالتوقيع علي قرار يقضي بتزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات، وهو ما رأته كل من أنقرةوموسكو عملا عدوانيا، ومحاولة لتأجيج الصراع المسلح، الذي يشكل خطورة علي المنطقة والعالم، وواكب هذه الخطوة إعلان تشكيل فيدرالية في شمال وشرق سوريا، في مقدمة لتشكيل كيان انفصالي للأكراد، وهو ما رآه أردوغان تهديدا لوحدة تركيا، وتشجيعا للأكراد علي الانفصال، وجاء الإعلان الكردي الجديد مع نشر خريطة تضم مناطق سورية واسعة، تشمل أهم حقول النفط وسد الفرات، وتمتد جنوبا إلي دير الزور، إلي جانب الإعلان عن إعداد نشيد وطني وعلم خاص للكيان الانفصالي الجديد، الذي توجد فيه قوات برية أمريكية تشارك في عمليات زحف الأكراد علي أوسع مساحة ممكنة من الأراضي السورية. وفي سياق مواز خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ليعلن أن تحرير الموصل سيتأخر نحو شهرين أو ثلاثة، وقبلها أصدر إعلانا مفاجئا بعدم وجود نية للعراق للتدخل في الحرب السورية، واتضح أن العبادي تعرض لضغوط أمريكية في أثناء عملية تحرير الموصل، وإثارة الضباط الأمريكيين للمشاكل، التي عرقلت العمليات العسكرية ضد داعش، وأن واشنطن طلبت فتح ممر لانسحاب قوات داعش من الموصل باتجاه سوريا، وهو ما رفضته بغداد، وعززت قوات الحشد الشعبي سيطرتها علي غرب الموصل، لتقطع كل الممرات التي تربط الموصل بالحدود السورية، وطالب الحشد الشعبي بطرد الضباط الأمريكيين من غرفة العمليات، واتهمتهم بعرقلة ضرب داعش وتأخير تحرير الموصل. ترافقت الاتهامات العراقية مع نشاط ملحوظ لقوات داعش في شرق سوريا، ومحاولتها طرد القوات السورية من تدمر ودير الزور، وهو ما ينسجم مع مساعي أمريكا لإقامة كيان كردي في شمال شرق سوريا، وإلي جنوبه تتمترس كل قوات داعش، بما يتيح السيطرة علي كامل الحدود العراقية السورية، وهذا يعني أن القوات الأمريكية تتواصل وتدعم قوات داعش حتي الآن، وهو ما أكده الرئيس التركي أردوغان أخيرا، وقال إن لديه صورا ومقاطع فيديو تسجل تزويد الولاياتالمتحدة لداعش وتنظيمات إرهابية أخري بالسلاح. يبدو أن الإعلان عن مؤتمر الآستانة لحل الأزمة السورية بدون مشاركة الولاياتالمتحدة قد أخرج أوباما عن صوابه، خاصة أنه جاء تتويجا لانتصار التحالف الروسي السوري الإيراني في معركة حلب، وراح أوباما يوجه الطعنات إلي كل الأطراف، خاصة حليفه السابق أردوغان الذي يزيد من وتيرة تقاربه مع موسكو علي حساب الولاياتالمتحدة، التي لم تجد شريكا لها علي الأرض سوي أكراد سوريا وربما داعش، ليجد أوباما أنه أصبح في مأزق لم يتخيل أن تكون نهايته بهذا الشكل المهين، وبهزيمة ثقيلة لا يمكن أن يتحملها، خاصة أن الوقت لم يعد يسمح بأي تصرف يمكنه من محاولة تعديل موازين القوي في سوريا، فأمامه أقل من 3 أسابيع في البيت الأبيض، وهو ما دفعه إلي توجيه الضربات نحو جميع خصومه، وأن يضع العراقيل أمام خليفته ترامب، ليمنع اندفاعه إلي التقارب مع خصمه اللدود بوتين. لم تتوقف ضربات أوباما علي خصومه، بل وجه عدة طلقات صوتية إلي كل من إسرائيل والسعودية، فبعد أن امتنع عن استخدام الفيتو ضد إدانة استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، أناب وزير خارجيته كيري في تجديد الدعوة إلي إنشاء دولة فلسطينية علي حدود عام 1967، مع تعديلات في الحدود، وقال إنه الخيار الأفضل لمصلحة كل من إسرائيل والولايات، كما أعلن كيري عن ضرورة حل الأزمة اليمنية بتشكيل حكومة توافقية، وإيقاف الحرب العبثية الدائرة في اليمن، وأثارت هذه التصريحات موجات من الغضب من أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة، وكأن أوباما يريد أن ينهي ولايته بعاصفة من الغضب. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد