إذا أردنا توصيف ما يجرى فى المنطقة العربية حاليا، فيمكن أن نطلق على كثير من مشاهده «زمن المكايدات»، حيث يتصور البعض أن مضايقة الآخرين، عبر تكسير العظام الأمنية والمجاديف السياسية والمفاصل الاقتصادية وتخريب البُنى الاجتماعية، الباب المناسب لتحقيق مجموعة من المصالح الإستراتيجية. ربما يكون، ذلك صحيحا، إذا تم امتلاك رؤية شاملة، واستخدام أدوات مؤثرة، وجرى مراعاة الانعكاسات من جوانبها المختلفة، فعندما يكون الهدف واضحا، ووسائل تحقيقه غامضة وعاجزة، سوف تنقلب التصرفات الخاطئة على أصحابها، لأن اللجوء إلى منهج الثأر بالطريقة التقليدية، والمضى فى دروب البداوة، والافتقار إلى الأساليب العلمية الدقيقة، كلها عوامل تؤدى إلى نتائج تؤذى أصحابها. العبر والدروس التى تنطوى عليها كثير من الممارسات العربية، تمثل دليلا دامغا على أن إدارة شئون الدولة، بروح القبيلة فى عصور سابقة، لم تعد صالحة، قد تكون مفيدة على المستوى الاجتماعى الضيق، غير أنها من المستحيل أن تجلب مكاسب على صعيد الدول، بكل ما تحمله العلاقات السياسية من تقديرات معقدة، والأوضاع الأمنية من حسابات متشابكة، وما إلى ذلك من رؤى إستراتيجية، تحتاج إلى عقول تستوعب مجريات الأحداث والتطورات، وتملك من الرجاحة ما يمكنها من قراءة المستقبل بصورة صحيحة. لأن أى قراءة خاطئة، ترخى بظلال قاتمة على من خططوا وهندسوا لها، ومن يمعن النظر فى بعض القضايا والملفات سيجد بسهولة أن من اتبعوا هذا الاتجاه لم يحققوا ما عملوا له، ومنهم من ينتظر خسائر باهظة، بعد أن تبين أن سياساته وتصرفاته لا تتناسب مع الأوضاع الحالية، التى تستلزم عقلا راجحا، وقدرا وافرا من المرونة، يتيح الفرصة للتعامل مع الأجندات المستقبلية، التى قد تحمل فى طياتها مفاجآت للبعض. الظاهر أن هناك من يستسهل الإمعان فى العداوة، بدلا من المراجعة، ويستهوى القلق والمضايقة، خوفا من تبعات المكاشفة، ويعمل على أن تسود الضغينة، خشية من الصراحة، ويجرى آلاف الأميال لمجرد الإيحاء أن لديه قدرة خارقة على استنزاف جهود المختلفين معه، متناسيا أن بإمكان هؤلاء مبادلته بالطريقة ذاتها أو أكثر، لأن فى حوزتهم قوة، لو تركوا لها العنان لدمرت من أدمن الاستعلاء أو تدثر بأثواب الآخرين، وهذا هو الفرق بين من يعمل وفقا لأفكار ومعتقدات القبيلة، ومن يريد أن يبنى دولة، تستوعب جميع المواطنين وتساوى بينهم. الحاصل فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرهم، كشف عن فداحة أن تتبنى أفكارا مسمومة، أو مغموسة بالثأر ودوافعه الخفية، حيث يذهب كل ذلك وتبقى النتائج السلبية، فما هو مصير من سهلوا دخول جماعات متطرفة إلى بعض الدول العربية؟ وما هو حجم الدعم الذى أُنفق عليهم؟ وما هى مردودات الأعمال الإرهابية التى قام بها متشددون فى دول عدة؟ وإلى أين وصل الدمار الذى لحق بمدن وقرى لم تعرف عن القنابل والتفجيرات سوى أصواتها؟ هناك حزمة أخرى من الأسئلة تفرض نفسها على من ساعدوا ومولوا واستضافوا عناصر متطرفة، لأن ساعة تصفية الحسابات يبدو أنها اقتربت، فقد تسارعت وتيرة الأعمال الإرهابية خلال الأيام الماضية بطريقة كبيرة، وشملت دولا متباينة، وضرب من تسلموا توكيل الإرهاب، من العرب والعجم، فى أنحاء متفرقة، بغرض خلط الأوراق، ووقف الترتيبات الجارية، ومنع الوصول إلى مربع العقاب، الذى يعتقد كثيرون أنه سوف يبدأ فى اليوم التالى لدخول الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب البيت الأبيض فى 20 يناير المقبل، الذى ذهبت غالبية التصريحات والمؤشرات إلى عزمه عدم التهاون مع المهازل التى أساءت لمكانة بلاده الإقليمية والدولية. فى هذه اللحظة، تنتهى بدع وخرافات مرحلة قديمة، كان اللاعبون فيها، يعتمدون على السيولة الأمنية، وغموض التوجهات السياسية، وسيادة أساليب الحرب بالوكالة، وارتفاع سقف الطموحات والأمنيات لدى زعماء دول، اعتقدوا أن لهم مكانة كبيرة تحت الشمس، لذلك حاولوا توسيع دوائر نفوذهم، وسعوا إلى الإمساك بتلابيب قضايا بعيدة عن نطاق جغرافيتهم المحدودة، وتعمدوا الصياح والصراخ والضجيج لزيادة أوزانهم السياسية، والشوشرة على قوى لها مكانتها التاريخية. فى حين أن إبداعات المرحلة المقبلة، تقوم على الوضوح، ووقف اللعب على المتناقضات، والأهم تقزيم غول التطرف، الذى جلب الإرهاب إلى المنطقة العربية، بل وأوصله إلى ساحات دول غربية، كانت ترى أنها أصبحت بمنأى عنه، بعد أن فتحت أمام أصحابه أبوابا بعيدة عنها، وسهلت عبور جيوش من المتشددين إلى خارج أراضيها، لكن عندما أخذت فلولهم تعود إليها بدأت التفكير فى معاقبة من كانوا أصلا نبتا للشيطان، وتهيئة الأجواء لساعة المكاشفة، لذلك مرجح أن تتوقف المكايدات وتبقى التداعيات، بكل ما تحمله من نتائج سلبية. فمحاولات التغطية على الفشل، من خلال الإيعاز بزيادة عمليات التقتيل والتدمير، بدأت تنكشف أبعادها، فقد أوشكت حقبة توظيف المتطرفين الحالية على النهاية، وأصيب الإعلام بالسكتة الدماغية، حيث تراجعت مصداقية كثير من أدواته، ومُنى بضربة قاضية، وتراجع بريقه بصورة لافتة، ولم يعد زمن الفتن التى درج من يقفوا خلفه على إشعالها مجديا، وتلاشى حجم التأثير الخطير، وفقدت معظم وسائل الإعلام العربية جاذبيتها المعروفة لدى مواطنى دول كثيرة، عندما تعمدت قلب الحقائق والمعلومات وتزييف الصورة. كلما اقتربت ساعة الحساب، ازداد من أخطأوا فى حق دول وحكومات وشعوب توترا، لكن بدلا من التوقف عن المهاترات، ومحاولة العودة إلى جادة الصواب، وإعادة تصحيح المسارات، لجأوا إلى مزيد من المضايقات، ما يعزز غلبة روح القبيلة فى عصور غابرة، لأن هناك قبائل حاليا، تحضرت وتمسكت بأسس وقواعد العداء، ولم تصل إطلاقا إلى الفُجر فى الخصومة. وهؤلاء لن يرتدعوا ما لم يصيبهم رذاذ أو ارتدادات أعمالهم السيئة، لأن الصمت، أو غض الطرف، على الإجراءات التى اتخذوها، يمكن أن يغرى بمزيد من التدخل السياسي، والتخريب الأمني، ولعل ما جرى فى سوريا خلال السنوات الماضية حافلا بالعبر، ولن يمر دون جزاء، وإذا لم تكن هناك عقوبات مادية دولية، من تعمير وخلافه، على الأقل سوف تكون هناك إجراءات انتقامية من قبل القيادة السورية. لمزيد من مقالات محمد أبوالفضل