على مدى الاسابيع الماضية وفيما عرضنا للرؤى والتحديات التى تواجه الثقافة الشعبية وظهور اتجاهات مناهضة لمفهوم التعددية الثقافية تهدد التراث الشعبى وبالتبعية الثقافة الوطنية والهوية القومية للدول التى لا تنتمى للمحيط الغربى ظلت تخايلنى علامة استفهام مشاغبة عما إذا كان ثمة جدوى أو ضرورة لبذل الجهد للحفاظ على الموروث الشعبى وتبنى رؤى جديدة مختلفة تمكنه من مقاومة الانسحاق أمام ثقافة عالمية جديدة . وأعترف أننى عندما بدأت كتابة هذه السلسلة من المقالات وحتى صباح هذا اليوم لم أكن قد توصلت لرأى قاطع..فربما كانت قناعتى لا تعكس سوى هوى شخصى لا يلزم أبناء الفية ثالثة صنعوا لأنفسهم مجتمعا افتراضيا على الشبكة العنكبوتية تغذيه تيارات الثقافة العالمية الجديدة !!. ولكن عندما تحولت التهنئة بالمولد النبوى الشريف لكلمات عزاء تبادلها كل المصريين فى ضحايا التفجير الخسيس للكنيسة البطرسية، أدركت عن يقين أننا اليوم بحاجة للحفاظ على موروثنا الشعبى أكثر من أى وقت مضى ، فبفضل هذا الموروث الشعبى المصرى الذى شكل فى طياته سبيكة عجيبة من التسامح الدينى والحب الممزوج بموروثات المصريين القدماء ،تلاحم المصريون صباح ذكرى المولد النبوى مثلما تلاحموا من قبل فى كل الازمات وتجاوزوا كل المتناقضات. التجربة المرة أثبتت أهمية الحفاظ على هذا الموروث والبحث عن الثابت والمستقر فى الوجدان المصرى واستدعاء المختزن فى الذاكرة المصرية الجمعية للخروج من مأزق محاولات تزييف الوعى واختراق الضمير المصرى وزعزعة ما شكل نسيج هذا الوطن على مر العصور. والحقيقة أن الدليل العملي،المُستقى من واقعنا المصرى، على أهمية الحفاظ على الموروث الشعبى فى عالم اليوم قد سبقته دراسات ومواثيق دولية حاولت أن تُنظر للفكرة من منطلق أن التنوع الثقافى تراث مشترك للبشرية و مصدر لتجديد الأفكار والمجتمعات يتيح الانفتاح على الآخر ودعم فرص تحقيق السلام. فى هذا السياق أكّد إعلان اليونسكو العالمى بشأن التنوّع الثقافى فى عام 2001 على احترام التنوّع وثقافة الحوار والحاجة الى التحوّل من مبدأ التسامح مع الآخر الى احترام الآخر والتعاون الإيجابى معه لحماية هذا التنوّع. وفى ديسمبر 2013 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدور الذى تؤديه الثقافة بوصفها محركاً وميسراً للتنمية المستدامة، ودعا القرار إلى حشد المزيد من الجهود من أجل استغلال الإمكانات التى يوفرها التنوع الثقافي.وفى مناسبة اليوم العالمى للتنوّع الثقافى فى مايو 2014 أكدت المديرة العامة لليونسكو ايرينا بوكوفا على علاقة الثقافة بالتنمية المستدامة وإن الاستثمار فى الإبداع من شأنه أن يحدث تحوّلاً فى المجتمعات،مشيرة لأهمية تطوير حالة التفاعل بين الثقافات من خلال التعليم لإحياء التنوّع والعمل كفربق لإحداث التغيير. كذلك فقد اوضح تقرير الأممالمتحدة بشأن الاقتصاد الإبداعى الذى أصدرته اليونسكو وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، أن التجارة العالمية للسلع والخدمات الإبداعية«تصميم المنتجات السمعية والبصرية وإنتاجها والعروض الحية ووسائل الإعلام الحديثة ونشر المطبوعات والفنون البصرية» حققت رقماً قياسياً بلغ 624 مليار دولار أمريكى فى عام 2011. ولقد أشارنفس التقرير إلى أن الاقتصاد الإبداعى من أسرع القطاعات نمواً فى العالم وأوصى بإدراج هذا التنوع فى صميم الاستراتيجيات العالمية للتنمية المستدامة بوصفه مورداً ثميناً من شأنه أن يحقق الأهداف المدرجة فى خطط التنمية ومنها الحد من الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين ودعم التعليم الجيد وحقوق الإنسان. فى ذات السياق دعا اليونسكو لإدراج الثقافة والتنوع الثقافى فى برنامج التنمية المستدامة لمرحلة ما بعد عام 2015 . وهنا يطرح السؤال نفسه حول العلاقة بين الحفاظ على التنوع الثقافى والموروث الشعبى وبين نجاح برامج التنمية المستدامة،خاصة إذا ما اخذنا فى الاعتبار أن المجتمعات المحلية فى معظم الدول النامية لا تنتمى لمجتمع الانترنت وتعتمد بالدرجة الاولى على وسائل الاتصال المباشر وأن تنمية المجتمع تتطلب اكتساب الافراد والجماعات مهارات تمكنهم من تنفيذ أجندة عامة لإحداث تأثير وتغيير فى مجتمعاتهم ..فهل يمكن توظيف الثقافة الشعبية لتأهيل القوى البشرية وتعديل نظم القيم والاتجاهات بما يتناسب مع الطموحات التنموية للمجتمع وكيف؟! وللحديث بقية .. لمزيد من مقالات سناء صليحة;