موضوع الحرائق التى اجتاحت إسرائيل اختلطت فيه الحقيقة بالدعاية بالخيال على نحو ربما أربك عددا كبيرا من البسطاء، فالحرائق سواء كانت عمدية أو عفوية طبيعية لا يمكن نسبتها إلى أنها عقاب إلهى على منع إسرائيل الأذان بمكبرات الصوت فى القدس كما ردد المئات فى مواقع التواصل الاجتماعي، فالله يساعد البشر ولا ينوب عنهم، ومن ثم كان لابد من النظر إلى هذه الحرائق إما بوصفها ظاهرة طبيعية مثل حرائق الغابات التى نشهد مثيلا لها فى عدد كبير من دول العالم، وبخاصة فى مواسم تزيد فيها سرعة الرياح، وإما أنها عمل بفعل فاعل قد يكون مناضلا فلسطينيا مثلا الأمر الذى يصل إلى درجة البطولة. ما يعنينى فى تلك الواقعة هو تأمل طريقة التفكير التى نجح دعاة التطرف الدينى فى استزراعها فى العقل العربى والتى صار بسببها من السهل تفسير كل ما يحدث حولنا على نحو دينى أو إلهي، حتى ما لا يمكن تفسيره كذلك، وما لا يجب تفسيره كذلك أيضا. الخطورة فى حادثة حرائق إسرائيل أنها تعطى أملا فى شيء ليس من صنع أياديهم، وتلقى فى روعهم بإحساس كاذب بأن الذين قاموا بإشعالها كانوا مؤيدين من الله، بل وأن الله يدعمهم فى كل شيء حتى لو كان إشاعة الفرقة بين الفصائل أو إقصاء وتعذيب المعارضين أو تكريس الانقسام، إن خطورة النار المشتعلة فى إسرائيل كانت أقل خطرا من خطورة النار المشتعلة فى العقل العربي، والتجاؤنا إلى تفسيرها على نحو دينى يدل على أنه لا شيء تغير فى العالم العربى منذ القرن الثالث الهجرى حتى الآن وأننا نخوض معاركنا ضد العدو الإسرائيلى بفكر لا يضع فى اعتباره حقائق الواقع ويبنى وعيا زائفا يريد أن يقنع أصحابه ويقنعنا بأن الله مع أصحاب الفكر المتطرف فى غزة أو الضفة أو أى مكان. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;