ماذا تعلم الشرق الأوسط من مناظرة هيلارى كلينتون ودونالد ترامب؟ لا أتصور أن هناك شيئا جديدا سوى كلاشيهات قديمة يتداولها مرشحان لا يعرفان المنطقة جيدا. أنظر إلى اللهجة التى لجأ إليها كلاهما خلال الحديث عن المنطقة. داعش ثم داعش ثم داعش ثم إيران. هنا عاد النقاش للانحصار كالعادة حول غزو المنطقة مرة أخرى أو تركها تواجه مصيرها منفردة. لا أحد يناقش الإصلاح. لا أحد يتحدث عن حل النزاع (سلميا أو بأى طريقة أخرى قد تقود إلى مشروع سياسي). لا أحد يهتم بملايين النازحين ولا الشكل الذى ستكون عليه الدول التى تعيش حقبة داعش الذى يتنافس المرشحان على ضربه. كل ما قامت به الولاياتالمتحدة فى المنطقة هو بدء مهمة ضرب القاعدة من دون إكمالها. كانت النتيجة هى انتاج داعش. اليوم يتصارع كلا المرشحين الرئاسيين الأمريكيين على اثبات من منهما يستطيع ضرب داعش أكثر من الآخر، ومن ثم اتمام المهمة أفضل من الآخر. لم ينتبه كلاهما أن القاعدة صعد بعد القرار الأمريكى بالتدخل، وداعش صعد بعد القرار الأمريكى بعدم التدخل. كل ما يستطيع المشاهد العربى استنتاجه من هذه المناظرة الحامية هو أن السياسيين الأمريكيين، على اختلاف انتماءاتهم، لا يدركون بعد أنهم حقا لا يعرفون المنطقة. إيران كانت أيضا محورا رئيسيا فى المناظرة. تحذير المرشحين كليهما من تحول إيران إلى قوة إقليمية معادية «لأصدقاء الولاياتالمتحدة» كان ساذجا تماما. هل يحق لهيلارى كلينتون أن تقول ذلك؟ هذه مرشحة اختارت أن تحسب نفسها تماما على إدارة أوباما منذ اليوم الأول لانطلاق الحملة. فى عهد هذه الإدارة هيمنت إيران على بلدان عربية بكاملها، وأسهم الصراع اليومى بين السنة والشيعة فى وضع بلدان أخرى على الحافة. قبل ذلك كانت كلينتون وزيرة الخارجية فى هذه الإدارة التى بدأت التمهيد لمفاوضات مع إيران، انتهت لاحقا باتفاق تاريخى يسمح لها بمد ذراعها على طوله فى المنطقة. عندما تسمع كلام ترامب، فى المقابل، تشعر أنه لا يملك تقديم أى شيء سوى الركض من أجل اللحاق بكلينتون التى ظلت ممسكة بزمام المناظرة طوال الوقت. لا ينتمى ترامب إلى أى اتجاه فكرى محدد. ظل الرجل يتنقل بين الحزبين من دون تبنى أجندة واقعية. اليوم هو مرشح الحزب الجمهورى فعليا، حتى لو لم يحب قطاع عريض من جمهور الحزب ذلك. ماذا قدم الحزب الجمهورى فى آخر مرة استحوذ مرشحه جورج بوش الابن على الرئاسة للعرب فى مواجهة إيران؟ هل نجحت أمريكا مثلا فى اسقاط نظام ولى الفقيه الذى يحلم طوال الوقت بتصدير ثورة طائفية إلى العالم العربي؟ هل تمكنت حتى من التطبيق الحازم للعقوبات الاقتصادية التى فرضتها عليه خلال كل هذه السنوات؟ هل حاولت على الأقل تقوية «أصدقاء الولاياتالمتحدة» كى يكونوا قادرين على مواجهة رؤاها التوسعية البغيضة؟. العكس تماما هو ما حصل. قرر بوش، ومعه الحزب الجمهورى بالطبع، غزو العراق وهدم السد المنيع الذى كان يقف أمام أى تمدد طائفى محتمل فى العمق الاستراتيجى العربي. اليوم تحول العراق، بعد ان تركته أمريكا مدمرا تماما، إلى حديقة خلفية للولى الفقيه. فى النهاية لم يعد هناك أى «أصدقاء» فعليين للولايات المتحدة فى المنطقة سوى إيران وإسرائيل. الباقون هم مجموعة من الموظفين الذين تنحصر مهامهم فى حماية المصالح الأمريكية فى المنطقة. انظر إلى سلسلة البرامج التليفزيونية والمقالات الصحفية والكتب التى تطرح هذه الأيام فى الغرب بشكل عام لتمجيد إيران وخنق السعودية. هذا توجه غير مسبوق فى علاقة عضوية لم تعد محل تقدير فى واشنطن. ظهر ذلك جليا فى عدد المصوتين على قانون يسمح لأهالى ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية. إذا كانت أمريكا تعتقد حقا أن السعوديين مازالوا يدعمون القاعدة، وهذا قد يكون صحيحا، إذن من تدعم إيران؟ هل يقود بشار الأسد نظاما تنويريا فى سوريا؟ ماذا عن حزب الله فى لبنان؟ هل يقدم هذا الحزب، الذى اختطف فعليا البلد، أى مشروع سوى الطائفية المقيتة خدمة لأجندة الولى الفقيه؟ هل تحكم إيرانالعراق، الذى كان دولة عربية فى يوم من الأيام، سوى عبر أحزاب شيعية متشددة لا تفرق كثيرا عن الإخوان المسلمين، وميليشيات طائفية لا يمكن تمييزها عن القاعدة، وأحيانا داعش؟. حتى فى مصر تبدو إيران كحيوان مفترس ينتظر وسط المزارع للانقضاض مع ظهور أول فرصة يمكن عبرها الولوج إلى المجتمع المصرى سياسيا وثقافيا وعقائديا. جدل العلاقات التى تأثرت مع كل الحلفاء وصل إلى العدو الإسرائيلى أيضا. أتصور أن حكومة بنيامين نيتانياهو فى مأزق اليوم بعد وفاة شيمون بيريز الذى كان يمثل لنيتانياهو الأخ الأكبر الذى يمكن التعويل عليه لتدوير الزوايا عندما تصل الأمور مع واشنطن إلى مرحلة الخطر. بالطبع لا يمكن إلقاء كل هذه الأخطاء على كاهل أوباما وحده. هذه سياسات تعكس سذاجة المؤسسات الأمريكية قبل كل شيء. لم تعد الولاياتالمتحدة هذا البلد الذى يسوق نفسه باعتباره بلدا لا يتخلى عن أصدقائه. عند مقارنة سلوك أوباما مع بوتين فى المنطقة فستجد أن أمريكا تتصرف كطفل يلقى كل ألعابه القديمة من النافذة، من أجل الحصول على لعبة جديدة أثارت انتباهه. فى سبيلها للانسحاب من الشرق الأوسط ستترك الولاياتالمتحدة خلفها الكثير من الركام، دون محاولة إصلاح أى شيء. سواء جاءت كلينتون أو فاز ترامب فى السباق الرئاسي، ستمضى أمريكا فى توجهها الجديد، وستستمر المنطقة فى الركض نحو المجهول. لمزيد من مقالات أحمد أبودوح