تمضى الحياة بتموجاتها وتقلباتها ونحن علينا المواجهة والتكيف والاستمتاع والنجاة. ايا كان ما يواجهنا من مصاعب وتحديات ومفاجآت غير سارة علينا ان نتحلى بصفات وأداء راقص الباليه. لقد تلقينا على مدار حياتنا نصائح شتى عن الكيفية التى ندير بها حياتنا. هل نعيشها كعابر سبيل كأنه ماض فى رحلة طويلة لا يملك من المتاع الا القليل ومن الزاد الا النادر، يستظل تحت شجرة من الشمس الحارقة ثم يمضى لا يستمسك بشئ من منطق ان كل شئ زائل وان الاهواء متغيرة، وان الجاه زائف والمال كبخار الهواء سرعان ما يتبدد وان الاشياء والموجودات كل تأثيرها يزول بمجرد تعودنا عليها. وهناك من نصحنا بأن نقتنص من الحياة ملء كفوفنا ولا نترك اى شئ نستطيع الفوز به الا ونخطفه تأكيدا للمثل الشعبى القائل ( ان شفتوا الفرح انهبوه). وعلى نقيض هؤلاء هناك من اختاروا الانعزال سواء لاسمتاعهم بالعزلة وربما التأمل وقضاء اوقات طويلة مع النفس تؤانسها وتؤانسك وهناك من يفعل ذلك درءا للمشاكل والتلاعب الذين لاقوه من البشر. وهناك من اختار الحياة كنهر يعيش للآخرين يسقيهم ويروى ظمأهم ويعبرون من خلاله الى الضفة الاخري. ومن جعل من نفسه علاجا او ترياقا يشفى آلام البشرية وبلسما يخفف الالمهم، ومن وهب نفس ليكون مركزا للنور و راية تنوير للكون، يقضى جل اوقاته فى البحث ايما كان ويتبحر فى العلوم ويخرج بأعظم الاكتشاف او الابتكارات. وهناك من عانق الفن ووضع كل عمره فى خدمته ليجعل البشر يرون الحياة ويعيشونها بشكل متجدد من خلال صور الفن المختلفة.أعرف ايضا من يمارس الحياة كثعبان يتصيد اخطاء الاخرين وينقب فى كلماتهم عن خطأ وفى خطواتهم عن عثرة، وما يلبث ان يلدغهم لدغة قاتلة، ومهما ابتعد اى شخص عنه، طاردهم الثعبانى لينخر سمه فى عروقهم. وهناك بشر كالضباع لا يعيش الحياة الا على اكل جثث الاخرين، لا يكتفون باللدغ كالثعابين، لكن متعتهم ان يروا من حولهم جثثا هامدة. وتحدثت عن ذلك القرآن الكريم عندما قال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه).أما انا عزيزى القارئ فأرشح لك الحياة كراقص باليه. رشيق كالفراشة ومتطلع كالشهاب المضئ فى السماء و بازق كالصاروخ وهادر كالشلال. اذا تلبستم روح راقص الباليه او لاعب الباليه ربما لعبتم بالدنيا ولم تتركوها تلعب بكم. اذا واجهتم عقبة اقفزوا للأعالي، انتصروا على ما يضايقكم بتجاوزه . اجعلوا رياضتكم المفضلة السباحة فى الهواء وجاوروا السحاب ليكون وسيلتكم فى تحويل الحلم الى حقيقة. راقص الباليه يجمع فى صفاته بين الطائر والانسان، بين لاعب الجمباز ولاعب الترابيز فى السيرك، بين الممكن والمستحيل. أغلب ما حولنا فى عصرنا هذا يدفع البشر الى غلظة ووحشية احيانا غير مبررة: التنافس المحموم غير الانساني، موجات الكراهية والاقصاء التى تهب علينا من كل حدب وصوب، والتأثر البالغ بالتكنولوجيا الذى ربما حول البشر الى ربوتات (ولا افضل استخدام كلمة انسان آلي، فالانسان لا يصبح آليا مهما كان). يذكرنى راقص الباليه ببعض من صفات الملائكة، كل همهم ان يثيروا المشاعر النبيلة.الطبيب ملاك رحمة وراقص الباليه ملاك جمال. القفز لاعلى هو سمو فوق الاشياء وفوق الصغائر وفوق المشاكل وفوق تفاهات البشر وربما حتى فوق براكين الاقدار. ليس غريبا ان اغلب رقص الباليه به قفز لأعلى رغم ان رقصات كثيرة فى العالم لا يبرح الانسان فيها مكانه الى فوق مستوى رأسه. و فلسفة الباليه ليست فقط فى القفز لكن فى الرشاقة والجمال، فما اجمل ان نمارس رقص الباليه فوق كل فخ وكل عثرة وكل عائق وكل ترسانة اصطفت لايذائنا. ان تكون راقص باليه يضمن لك الا تصاب بأزمات قلبية اذا تقلب عليك الزمان من النجاح الى الفشل، من الصحة الى المرض او من الاستقرار الى الشتات. وانت تتلبس روح راقص الباليه، ربما لم تعان كثيرا وانت تغير عملك او مكان اقامتك او حتى بعض اصدقائك. ستصبح خفيفا كالريشة وجميلا كالفراشة ورقيقا كالنسيم ورحيما كبخار الهواء. أرقب دائما احتياج الانسان لعناق السماء ولا أتعجب فهو احتياج انسانى اصيل يزيد عند بعض البشر الى درجة الإلحاح : كالذين يحبون صعود قمم العالم كجبال ايفرست وكاليمنجارو، والذين يحبون ممارسة الالعاب الهوائية بجانب الطائرات ثم يتركون انفسم لباراشوت يهبط بهم على الارض وهواة الالعاب الخطرة الذين يسقطون من الكبارى العملاقة بدون حبل. واخيرا وليس بآخر فراقص الباليه يعيش فى عالم الموسيقى المخملى الساحر الذى لابد ان تتغذى عليه كل الكائنات.فهى ترياق رئيسى للحياة. أن تحيط نفسك بالنغمات وتصب الألحان كفيل بأن ترقب وتصفو تنطلق فى عالم الخيال. الموسيقى تنظف الارواح وتنقى الافئدة وتمنح قوة لا معرفة لنا بمكاناتها اللا نهائية. لمزيد من مقالات احمد عاطف