إلا أنت.. يا أرجوت!

كان ذلك فى نهاية سبعينيات القرن الماضى عندما كنت أدرس الدكتوراه بجامعة جوتنجن بالمانيا الغربية والمعهد الملكى للفطريات CBS بهولندا
فلقد شاهدت قرونا سوداء اللون عبارة عن اجسام حجرية تظهر على سنابل القمح تعرف باسم «أرجوتات»، وهو مرض نباتى يصيب محاصيل الغلال والحشائش النجيلية، يسببه فطر الأرجوت وتتم دورة المرض عن طريق إصابة مبايض أزهار النباتات النجيلية بواسطة كونيديات الفطر المنقولة عن طريق الحشرات، أو قطيرات المطر.
وكم عانت البشرية خلال القرون الوسطى من حالات تسمم جماعية نتيجة تناول خبز مصنوع من دقيق ملوث بهذا الفطر السام وقلويداته وماتحتويه اجسامه الحجرية من مادة ثنائى اثيل اميد حمض الليسرجيك (LSD) التى تؤثر التركيزات المنخفضة منه على العقل والإدراك مسببة شعوراً بالهلوسة، وأيضا من آلام مبرحة وأعراض خطيرة، وحالات تشنجية واضطرابات نفسية ناتجة عن تلف الانسجة العصبية، وقد أدى ذلك فى بعض الحالات إلى الشلل.
وتبدأ أعراض التسمم الأرجوتى بالشعور بارتفاع الحرارة فى الأطراف، ثم يعانى المريض من قصور الدورة الدموية فى أطرافه، مما يؤدى إلى عدم وصول الدم بكميات كافية الى اصابع اليدين والقدمين فتصاب بغرغرينا، وبعد اسابيع تتحول الأطراف الى اللون الأسود وتجف وتسقط من نفسها، لكن رائحة تعفن اللحم تكون رهيبة، حتى أطلق على هذا المرض اسم «الحمى الرهيبة». ولم تظهر اعراض هذا المرض على البشر فقط، ولكن ايضا على حيوانات المزرعة، حيث أصابتها تشنجات عصبية وتقلصات عضلية وشلل ادى فى النهاية الى موتها.
ولقد كان اخر انتشار وبائى للتسمم الأرجوتى هو ماظهر فى الاتحاد السوفيتى السابق وذلك خلال عامى 1926 و1927 فلقد انتشرت مجاعة أدت الى أن يتناول الأهالى حبوب انواع من الشيلم البرى كانت مصابة بهذا الفطر الفتاك، وظهرت حالات اخرى من التسمم الأرجوتى فى بعض دول العالم الثالث، ولكن بدرجات محدودة ، ففى إثيوبيا ظهرت بعض حالات التسمم الناتجة عن تناول بعض الأهالى حبوب شعير ملوثة بالفطر السام، وأيضا فى الهند نتيجة تناول حبوب «الدخن» ملوثة به.
ومن رحمة الله ان بلادنا خالية من هذا المرض الخطير حتى الآن، كما يمنع قانون الحجر الزراعى دخول جميع الآفات والأمراض غير الموجودة فى مصر، ومنها هذا الفطر الفتاك، واننى اهيب لمدى خطورة الموقف بمنع دخول اى حبوب مستوردة من الخارج تكون ملوثة بهذا الفطر القاتل سواء كتقاو للزراعة او كحبوب للاستهلاك الآدمى او علف للحيوانات، حتى ولو كانت بنسبة قليلة أو دون مقابل!!
د. محمد على أحمد
أستاذ الفطريات وأمراض النبات بزراعة عين شمس