أصبحت المؤسسات في العالم المتحضر تعي أن العشوائية لا تنتج، وإن انتجت فهو ناتج جاء بالمصادفة وأن التخطيط المستقبلي لسنوات محددة وهو ما يعرف بالتخطيط الاستراتيجي هو ما يضمن النجاح تخطيطا لا يرتبط بأفراد معينين يجلسون علي كراسي القيادة ولكنه تخطيط مؤسسي، يكمل تنفيذه أفراد إذا ما رحل أفراد. هذه الثقافة مع شديد الأسف ليست سائدة في مؤسساتنا الحكومية بصفة خاصة مما يدل علي أن القائمين علي هذه المؤسسات لم يتلقوا دروسا أو تدريبا كافيا في التخطيط الاستراتيجي، وأن أهمية هذا التدريب كانت غائبة لسنوات عن أذهان المسئولين عن اختيار هذه القيادات، وهو ما نتج عنه أن أصبح معظم هذه القيادات غير مدرب وغير واع بأهمية هذه الثقافة. فغاب العمل المؤسسي القائم علي التخطيط الاستراتيجي وسادت الاجتهادات الفردية في المؤسسات التي تولوا قيادتها. إذا ما تحدثنا عن التعليم وحديثي هنا عن التعليم الجامعي فيمكننا القول باطمئنان إن أحد أسباب عدم تحقيق مؤسساتنا الجامعية الحكومية المأمول منها هو غياب آليات التفكير الاستراتيجي لدي إدارة الكثير من هذه المؤسسات، إذا ما أردنا تعريفا سريعا للتخطيط الاستراتيجي، فيمكن القول إنه وضع خطة منظمة للوصول بمؤسسة ما لتحقيق أهداف معينة. لماذا يضمن التفكير الاستراتيجي نجاح أي مؤسسة؟ ذلك أنه ينطلق من دراسة وتقييم واع وواقعي للواقع وإمكاناته، أي يبدأ بتحديد الإدارة لجوانب القوة والضعف في المؤسسة ثم البحث عن الفرص المتاحة أمامها للتطوير، والتهديدات التي يمكن أن تكون عائقا للتطوير. بناء علي هذا التحليل الذي يعرف في مجال التخطيط الاستراتيجي بالتحليل البيئي، تضع المؤسسة خطتها الاستراتيجية التي قوامها غايات تهدف إلي تنمية جوانب القوة والاستخدام الأمثل للفرص والموارد المتاحة ثم تحسين جوانب الضعف وأخيرا تجنب التهديدات التي تحول دون تطورها. هذه الخطة يجب أن تقترن بخطة تنفيذية تحدد الأفعال والخطوات التي ستتخذ لتحقيق كل هدف من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها المؤسسة وقطاع المؤسسة المسئول عن التنفيذ، ثم المدة الزمنية التي يمكن فيها تحقيق هذه الأهداف ومدي توفر الميزانية المطلوبة لتحقيق كل هدف، أو كيفية تدبير هذه الميزانية إذا لم تكن متوفرة. الأكاديمي إلا إذا وضعت هذه المؤسسة المتقدمة للحصول علي الاعتماد ضمن أمور أخري كثيرة تمثل متطلبات الاعتماد الأكاديمي طريقة صحيحة خطة استراتيجية محددة وخطة تنفيذية تشرح فيها كيفية تنفيذها هذه الخطة الاستراتيجية وتسييرها الأمور وفقا لها. ورغم هذا مع الأسف، يغيب هذا الفكر الاستراتيجي عن الكثير من قياداتنا الجامعية ولا يوجد ضمن لوائح الهيئة أو الجامعات ما يلزم الجامعات بالسير وفقا لهذا التخطيط رغم أنه من الممكن أن نجد هذه القيادات متميزة في تخصصاتها الأكاديمية غير أن التفكير والتخطيط الاستراتيجي أمر آخر يختلف عن التخصص وإدارة المؤسسة الجامعية لا يكفيها التميز في التخصص ولكنها في حاجة لمقومات ومهارات أخري من هنا مازال الكثير من المؤسسات الجامعية لا تسير وفقا لخطط استراتيجية واعية، وبالتالي لم تحصل علي الاعتماد الأكاديمي ولم تتقدم هذه المؤسسات وظلت لا تبرح مكانها، وهو ما يفسر تأخرها عن ركب التقدم في معظم جوانب الحياة الجامعية. الرأي لدي أنه من الضروري أن تشترط الدولة وقد بدأت تنحو نحو اختيار القيادات الجامعية وفقا لمعايير محددة سلفا وبعد لقاءات مع المتقدمين الذين يجدون في أنفسهم الصلاحية حصول هذه القيادات علي دورات في التخطيط الاستراتيجي أو اجتيازهم اختبارات معينة في هذا الشأن، ذلك أن غياب الإدراك الكافي من قبل القيادات الجامعية لآليات التفكير الاستراتيجي لن يؤدي فقط إلي عدم تطبيق إدارة المؤسسة لخطة استراتيجية محددة، ولكن أحيانا ما تصبح هذه القيادات عائقا أمام أي محاولة تطوير منظم لأي جانب لمزيد من مقالات د. بهاء درويش