لم تعد الحروب مواجهة بين جيشين، بل أصبح من السهل نشر فيروس قاتل لإثارة الرعب والهلع، فالعلم الذي من المفترض أن ينهض بالشعوب ويساعدها في التقدم والتطور، هو ذاته المتورط في تدميرها، ويتفنن في صنع أسلحة هدفها إبادة البشر. ومن بين تلك الأسلحة وأكثرها خطورة، هي الأسلحة البيولوجية، التى من السهل جدا إخفاؤها ومن الصعب جدا اكتشافها أو الوقاية منها. لذا فقد تم إستخدام المواد الكيميائية والإشعاعية المدمرة في إغتيال عدد من الرؤساء والزعماء علي مر التاريخ، بعدما أصبحت تلك الأسلحة هي الوسيلة الأفضل التى يلجأ لها الخصم للقضاء علي غريمه. وكان أخر ضحايا تلك الوسيلة الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيزحيث أتهمت عدة صحف ومواقع فنزويلية المخابرات الأمريكية بتورطها فى مقتل شافيز، وحددوا نوعا من أنواع "أسلحة النانو"، والتى أستخدمت للتخلص منه بنقل خلايا مسرطنة إلى جسده، حيث تستطيع أسلحة النانو نقل أنواع مختلفة من أجزاء نانوية قد تتسبب بظهور عدد كبير من الأمراض، مثل الأزمات القلبية، واضطراب الدورة الدموية، ووقف التنفس، والخلل العقلى، ومرض الإيدز وغيرها من الأمراض. وحسبما أفاد موقع "أبوريا" الفنزويلى، فأن أمريكا ربما تكون استخدمت هذا السلاح ضد 7 رؤساء لبلدان أمريكا اللاتينية، غير أنه أصاب رئيسين فقط، هما الأرجنتينى نيستور كيرشنير، الذي توفى عام 2010 آثر أصابته بأزمة قلبية، والفنزويلى هوجو تشافيز، الذي توفي عام 2013 بعد صراع مرير مع السرطان دام لعامين، أما بقية الرؤساء فتسنى لهم مقاومة المرض. ياسر عرفات ..وإغتيال ب" البولونيوم" لم يكن شافيز أول من قتل بشكل متعمد من خلال أحد الأسلحة البيولوجية بل سبقه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي اغتيل عبر تسميمه بمادة البولونيوم المشعة، طبقا لما صرحت به أرملته سهى عرفات، بعد تسلمها تقرير "معهد لوزان للفيزياء الإشعاعية" السويسري. والذى أكد العثور على مادة البولونيوم المشع في رفاته تفوق المستويات الطبيعية ب 18 مرة. وكان الزعيم الفلسطيني قد أصيب بمرض غامض عام 2004 أثناء حصار مقره في رام الله من قبل القوات الإسرائيلية على خلفية أحداث الانتفاضة الفلسطينية، وظهرت على عرفات أعراض غثيان يصحبه قيء وآلام بطن، وبدأت حالته تتدهور ولم ينجح الأطباء في إيقافها، مما استدعى نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري في باريس. ولكن أخفق أيضا الأطباء الفرنسيون في تشخيص حالته، فدخل في غيبوبة حتى توفي في العام ذاته. وأثار الاشتباه لدى الجانب الفلسطيني بأن عرفات قد يكون توفي مسموما لعدم خضوع جثمانه للتشريح مع عدم تحديد سبب الوفاة أو الكشف عن سجله الطبي. وفي عام 2012 تم إخراج جثمان عرفات من مدفنه لمعرفة أسباب وفاته، وشاركت ثلاث وفود دولية روسية وسويسرية وفرنسية في عملية أخذ العينات دون تحريك الرفات من مكانها. وبعدما تسلمت سهى نسخة من التقرير أعلنت أن زوجها مات مقتولا، وإن هناك جريمة ارتكبت في حقه. أشعاع ليتفينينكو.. سقوط الشعر، ضمور النخاع ثم الموت وبمادة "البولونيوم" أيضا لقي العميل الروسى الكسندر ليتفينينكو مصرعه فى لندن، حيث كانت قصته واحدة من أشهر قصص الاغتيالات، التى أثارت ضجة كبرى. ويعود الحادث لنوفمبر 2006 حيث أصيب بالتسمم بمادة البولونيوم المشعة عقب إحتسائه مشروبا فى إحدى المقاهى - فى أثناء لقائه شخصا كان يزعم أن لديه معلومات خطيرة بخصوص مقتل الصحفية الروسية المعارضة "أنا بوليتكوفسكايا"، التى أغتيلت بالرصاص، والتى كان يعمل ليتفينينكو تحقيقا بخصوصها لفضح تورط المخابرات الروسية فى مقتلها - حيث شعر ليتفينينكو بإعياء شديد ثم تدهورت حالته سريعا، ونقل لأحد المستشفيات بلندن، وقد أثبتت الأشعة والتحاليل أنه تعرض للتسمم بتلك الإشعاعية، والتى أدت لوفاته عقب أن تسببت في تساقط شعره نهائيا وضمور نخاعه. وقد كانت كل أصابع الأتهام تشير إلى تورط المخابرات الروسية لكون ليتفينينكو واحدا من أبرز المعارضين آنذاك. ويذكر أن ليتفينينكو أنضم لل"كي. جي. بي" عام 1988، وعمل بها ضابطا تحر رقي لرتبة مقدم فى عام 1990، وكان بوتين رئيسه آنذاك. وبعد أن ترك ليتفينينكو الخدمة أنضم لصفوف المعارضة بل أصبح واحدا من أشرس معارضى نظام فلاديمير بوتين حيث قام بفضح أمور غير قانونية تتعلق بالمخابرات حتى تم اعتقاله عام 1999، ثم اطلق سراحه لاحقا بعد أن وقع وثيقة تمنعه من مغادرة الأراضى الروسية، ثم هرب مع زوجته وطفله إلى بريطانيا، وحصل على اللجوء السياسى فى 2001 وأصبح مواطنا بريطانيا، وفيها أطلق اثنين من أشهر كتبه كان أكثرها خطورة هو كتاب "تفجير روسيا: الإرهاب من الداخل"، والذى كشف من خلاله قيام المخابرات الروسية بعمليات تفجير فى روسيا لتحريض الشعب على الحرب ضد الأقليات المسلمة عبر إلصاق التهم بالمتمردين الشيشان. وقد أثار حادث مقتل ليتفينينكو توترا فى العلاقات الروسية – البريطانية، وذلك بعدما رفضت موسكو طلب لندن بتسليمها رجل الأعمال اندريه لوجوفوى، الذى تتهمه السلطات البريطانية بالتورط فى الحادث، وذلك لأن الدستور الروسى لا يجيز تسليم المواطنين إلى قضاء الدول الأجنبية، مما جعل بريطانيا تقوم بطرد 4 دبلوماسيين روس وردا على ذلك طلب نائب وزير الخارجية الروسى آنذاك الكسندر جروشكو من بريطانيا استدعاء دبلوماسييها العاملين فى السفارة البريطانية بموسكو. الدايوكسين يشوه وجه يوتشينكو بعد أن كان مثالا للوسامة والجاذبية جاءت مادة الدايوكسين لتحول معشوق النساء الرئيس الأوكرانى السابق فيكتور يوتشينكو ليصبح مثالا للدمامة والقبح بل جعلت من الصعب مشاهدة عينيه الرماديتين لكثرة ما يوجد حولهما من أنتفاخ وبثور. فقد تعرض يوتشينكو فى سبتمبر 2004 لمرض نادر جدا جعله يشعر بإعياء شديد وآلام مبرحة فى المعدة والظهر. وانتشار البثور به وتغيير لون الجلد جعلت وجهه مشوها، فقد أضطر للسفر للنمسا للعلاج. وأثبت التشخيص المبدئي أنه تعرض لعدوى فيروسية خطيرة ومادة كيميائية لا توجد عادة فى المنتجات الغذائية، تلك المادة التى لم يتوصل لمعرفتها عدد كبير من الأطباء فى أوروبا. ولكن بعد مشاهدة وجه يوتشينكو المشوه فى نشرات الأنباء، قام واحد من علماء السموم فى هولندا بالإتصال بالمستشفى الذى يعالج بها يوتشينكو لفحص عينة من دمه فأثبتت الفحوصات بالدليل القاطع أن ما أصابه كان نتيجة وجود تركيز عال من مادة الدايوكسين فى الدم. وقد أضطر يوتشينكو للحصول على نسب كبيرة من الموروفين لتسكين آلامه ليستطيع أستكمال حملته الإنتخابية حيث أنه فى ذلك الوقت كان يسعى للحصول على منصب الرئاسه، الأمر الذى جعل الشائعات تزداد حول تورط اجهزة المخابرات خاصة بعد اتهام يوتشينكو علنا أعداءه السياسيين بمحاولة اغتياله لإزاحته من طريقهم، وتحديدا منافسه الأول فى الانتخابات فيكتور يانوكوفيتش. وقد جاء ذلك المرض ليصب فى مصلحة يوتشينكو حيث أن شعبيته قد بلغت ذروتها عقب ظهوره بوجهه المشوه، وهو يلقى خطاباته المشتعلة فى ساحة الاستقلال فى كييف، ليستطيع بالفعل توجيه الضربة القاضية لمنافسه فيكتور يانوكوفيتش ويفوز بكرسى الرئاسة. أربعة سموم لاغتيال أوزال كان من المتوقع أن يكون سبب وفاة الرئيس التركى الراحل تورجوت أوزال هو تناوله مادة سامة أو تعرضه لإشعاع ما، ولكن كانت المفاجأة التى أعلنها معهد الطب الشرعى التركى عقب تحليل عينة من رفاته، هى تعرضه لأربعة أنواع من السموم وتشبع جسمه منها مما أدى لوفاته، حيث أثبتت الأبحاث والتقارير الطبية، أنه من ضمن تلك السموم، ثنائى كلور وثنائى فينيل ثلاثى كلوروالإيثان، الذى يعرف ب"دى دى تي"، وهو مبيد حشرى تم حظر استعماله فى تركيا عام 1980، وذلك لأنه يتسبب بضرر كبير فى الكبد بعد أن يمتصه الجسم، والتى أثبت أنها قد أعطيت لأوزال من خلال الأطعمة أو المشروبات مما دفعهم إلى التحقيق فى نوعية الأطعمة التى تناولها فى آخر أيامه. وقد انتشلت رفات أوزال من قبره بأحد المدافن فى اسطنبول، ونُقلت إلى معهد الطب الشرعى للتحقيق فى الغموض الذى يحيط بحادث وفاته المفاجئ، وذلك بعد أن كلف الرئيس التركى السابق عبدالله جول الهيئة القضائية بفتح ملف التحقيق بشأن وفاة أوزال. وبعد ما أثبتته الأبحاث الطبية من وجود شبهة جنائية فى وفاته فقد دعت إلى استخراج بقايا رفاته من أجل إخضاعها للمزيد من التحاليل. وقد توفى أوزال فى 1993 بمكتبه بأنقرة، وقد أدعت التقارير التى أجريت بشأن الوفاة آنذاك أن سبب الوفاة هو تعرضه لأزمة قلبية، ولكن لم تجر عملية تشريح للجثة. وبعد أن ذكر تقرير آنذاك أن الوفاة المفاجئة لأى رئيس فى منصبه تعتبر مسار شك، ويجب طرح أحتمالية وجود شبهة جنائية, وأن عدم تشريح الجثة بعد الوفاة يعد أحد الطرق لإخفاء السبب الحقيقى لذا فقد تقرر إعادة التحقيق مرة أخرى.