لم تزد العملية الإرهابية فى أورلاندو بفلوريدا من تطرف دونالد ترامب ضد الإسلام والمسلمين، ولم تمنحه حجة إضافية، وإنما وفَّرت لجماهير الناخبين، ودون تدخل منه، الدليلَ الماديَ المُفحِم بتبيان بعض تجليات الهواجس التى يريد أن يزرعها فى الوعى العام الأمريكي، فجاءت له هذه الجريمة الأخيرة عوناً قوياً لإقناع الجماهير الأمريكية بالالتفاف حوله كمرشح رئاسى جرئ يقول علناً ما يخشى غيره أن يهمس به، وبأنه هو القادر بأفكاره ومواقفه على أن يحميهم من المتطرفين الإسلاميين. وهكذا صار بإمكانه أن يعتصر الجريمة لتحصيل أكبر فائدة، بعد أن جاءته من حيث لا يحتسب وفى توقيت لم يكن يحلم به، قبل المؤتمر الذى يعلن فيه الحزب الجمهورى ترشيح ممثله فى الانتخابات الرئاسية. وقد استفاد مرة أخرى من الجبهة الأخري، خاصة بعد أن كانت ردود الأفعال الأولية ضد منافسته هيلارى كلينتون التى قالت إنه حادث لا يمثل الإسلام..إلخ، فى مناخ عام صار بالفعل مشحوناً ضد الإسلام والمسلمين. وقد استفاد ترامب أيضاً من تخبُّط بعض المسئولين الأمريكيين الذين أنكروا أن يكون الإرهابى مقترف الجريمة من كوادر داعش، وقد بدا عليهم صعوبة الاستسلام إلى أن داعش نجح فى اختراق تدابير الأمن التى يزعمون أنها مستحكمة، فراحوا يقولون كلاماً متهافتاً غير مقنع، خاصة أن الإرهابى شخصياً هو الذى بادر واتصل بأجهزة رسمية أخبرها بعلاقته بداعش، ثم جاء إعلان داعش بهذه العلاقة بعد اغتياله، والمهم أنه سبق خضوعه مرتين لتحقيقات أمنية عن شبهة تعاطفه مع داعش. أضف إلى هذا أن المتحدث الرسمى لداعش هدَّد، فى 22 مايو الماضي، بأنهم سيشنون هجمات كبرى على أمريكا وأوروبا فى رمضان انتقاماً من التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن والذى يستهدف داعش فى سوريا والعراق. وها قد جاء رمضان. ربما تكون هذه الجريمة هى التى سوف تجلب لترامب الأغلبية الضئيلة المُرَجِّحة التى يفوز بها عادة الرئيس الأمريكي. فتتحقق المفارقة بأن يكون داعش وراء فوز ترامب الذى سيكون لسياساته انحيازتها التلقائية ضد داعش وشركاه! وهو ما سوف يجلب معاناة إضافية لشعوب وقعت وسط صراع داعش ومنافسيه على السيطرة عليهم. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب