استطاع الأديب النيجيرى » آموس توتيولا « (Amos Tutuola) عبر أعماله الإبداعية أن يحقق معادلة لم يفلح فيها غير قِلَة من الكُتَّاب، حيث مزج رؤاه الأدبية العصرية بالفلكلور الإفريقي، حتى بات واحدا من ألمع وأغزر كتاب إفريقيا، وأكثرهم تميزا. وقد حرمه الفقر فى وقت مبكر عن استكمال تعليمه، فتوقف فى مرحلة التعليم الأساسي، لكن هذا لم يمنع قدراته الابداعية من الانطلاق، وحلَّق بمخيلته فى عوالم نيجيريا المتنوعة، فلاقت رواياته صدى واسعا، خارج حدود بلده ولغته، إلى أنحاء إفريقيا وأوروربا، واكتسبت رواياته الأولى التى كتبت بالإنجليزية شهرة عالمية فائقة. وُلد » آموس توتيولا « فى مدينة »أبيكوتا«(Abeokuta) غرب نيجيريا عام 1920، وبعد عجزه عن استكمال تعليمه انتقل إلى العمل كصبى حدَّاد، وبعد وفاة والده مزارع الكاكاو، تنقَّل بين أعمال بسيطة متعددة، كبائع للخبز مرة، ثم مُوزع للبريد، وبالرغم من قصر فترة تعليمه الأساسية القصيرة، أكسبته كتبه الثلاث الأولى المكتوبة باللغة الإنجليزية شهرة دُولية واسعة، واستقر به الحال فى النهاية » أمين مخازن « بهيئة الإذاعة النيجيرية عام 1956 فى » إبادن« (Ibadan). وتعلم الإنجليزية بجهوده الفردية، وحين غالبته موهبته، كتب أول رواياته » شريب نبيذ النخيل « بلغته الجديدة (الإنجليزية)، فحازت شهرة كبيرة، واحتفظت بمكانة عالية بين مؤلفاته اللاحقة، وكان قد كتبها عام 1946، لكنها لم تنشر إلا فى 1952 لأول مرة فى لندن، ثم ترجمت إلى الفرنسية وطبعت فى باريس عام 1953، ووصفها الشاعر الفرنسى » ديلان توماس « بأنها » مُروِّعَة وخلَّابة «، ورغم ما حققته الرواية من صيت واسع فى أوروبا وأمريكا، واجهت انتقادات شديدة فى نيجيريا لكشفها كثير من جوانب التخلف فى المجتمع الأفريقي، وما أحدثه الغرب من تقدم بالمقابل. ودفعه نجاح الرواية إلى مواصلة الكتابة، فأعقبها بروايات أخرى حققت نجاحاً مماثلا لروايته الأولى منها » حياتى فى غابة الأشباح « 1954، ،وأعقبهما ب »سيمبى وآلة الغابة المظلمة « 1956، ثم » القناصة الأفريقية الشجاعة « 1958، و» امرأة الدغل الهوجاء « 1962، و» أجاييى وفقره الموروث«، فبات من أغزر الأدباء الأفارقة فى إنتاجهم. ورشَّحه هذا النجاح الكبير ليكون واحدا من مؤسسى » نادى مابرى للكتاب والمؤلفين والناشرين« عام 1979، وفاز بزمالة بحثية كزائر من جامعة » إيفى « التى أصبحت الآن جامعة «أوبافيمى أوولوو» النيجيرية، وفى عام 1983 صار عضوا منتسبا فى » برنامج الكتابة الدولى «بجامعة » لُوَا». وحين تقاعد من وظيفته، قسَّم وقته بين كتاباته، ورعايته لزوجتة » فيكتوريا «التى تزوجها عام 1975، وأنجبا ثمانية أبناء، إلى أن توفى هو فى 8 يونيو 1997 بارتفاع ضغط الدم، وهو فى السابعة والسبعين من عمره، تاركا خلفة أعمالا أدبية حاول عبر شخوصها وأحداثها نقل الفلكلور الإفريقى إلى العالم مغلفا بروح خيالية عصرية، فلاقت نجاحا باهرا حتى لدى من اختلفوا معه فكرياً، وتكريما له ولإبداع تبنى مركز » أبحاث فدية للعلوم الإنسانية« بجامعة تكساس الأمريكية جمع كل ما يتعلق بحياته وإبداعاته فى قسم خاص به. ووصفه الناقد الإنجليزى » جيرالد مور « فى كتابه (سبعة أدباء من أفريقيا) بأنه » كاتب ذو عبقرية فريدة، استطاع بتثقيفه لنفسه، وبموهبته السخية، وخياله الواسع، ومرانه الطويل، ونشاطه الموصول، أن يقيم هذا البناء الفنى الرائع، وأن يضفى أهمية حتى على الأشياء التافهة، وامتلك أسلوبا ممتازا، وثقة خلاّقة هائلة، وقدرة على خلط الرعب والكوميديا داخل مشهد واحد، وأعاد صب المادة والشكل والأسلوب على نحو جديد ساحر«.