خيمت على العالم بوجه عام والشرق الأوسط على وجه التحديد حالة قلق من تهديد للسلامة النووية عندما سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية أنباء عن وجود عيوب كبيرة فى مفاعل ديمونا النووى فى إسرائيل. ولم تكن مسألة التهديدات التى تمثلها المفاعلات النووية المتقادمة بالأمر الجديد فقد تزايدت المخاوف من حدوث مشكلات فى عمل مفاعلات أخرى فى أنحاء العالم بالإضافة إلى التخوف من التهديدات الأمنية التى قد تتعرض لها بعض المفاعلات الأخرى. مبادرة فعلى هامش لقاء مشترك جمع المجلس المصرى للشئون الخارجية وجمعية الباجواش المصرى ومعهد الأمن النووى بجامعة تنيسى بالولايات المتحدة، قال اللواء دكتور مهندس عبد الاله الطويل الخبير فى الشئون والأمان النووى، « تقدمت بمبادرة يشير مضمونها إلى مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومدير عام الوكالة القيام بدور إستباقى لحماية البشرية من أخطار المفاعلات النووية المتقادمة التى انتهت مدة تشغيلها فعليا وإنتهت مدة التمديد لها. فمن المعروف أن الجيل الأول والثانى من تلك المفاعلات النووية من المفترض له أن يتوقف عن العمل بعد 40 سنة، ولو تم المد له يتم إستكمال مدة عمله حتى 60 سنة. وهناك مفاعلات تم بناؤها قبل 60 سنة. وتعد تلك المفاعلات قنابل موقوتة حول العالم، وسنفاجأ بأنها تمثل خطرا رهيبا. فكما رأينا فى حادث مفاعل تشيرنوبل بأوكرانيا فى عهد الإتحاد السوفيتى السابق وحادث مفاعل فوكوشيما اليابانى، فإنها قد وقعت بشكل مفاجئ، وكذلك الحال فيما يتعلق بتلك المفاعلات المتقادمة. إن عوامل الأمان بتلك المفاعلات القديمة أقل بكثير جدا مقارنة بعوامل الأمان الخاصة بالمفاعلات المتقدمة. وقد إقترحت أن تقوم لجنة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمل تقييم لكل المفاعلات المتقادمة حول العالم يكون هدفها تحديد ما بها من خطورة، وبناء على ما يتم التوصل إليه من نتائج يتم وضع خطة متكاملة لإدارة هذا الأمر وعندها يكون هناك خياران : فإما إيقاف هذه المفاعلات وتفكيكها، وإما رفع كفاءتها وتحديثها». وقد نبعت المبادرة من منطلق مسئولية الجهات المالكة للتكنولوجيات الخاصة بإنشاء وتأمين المفاعلات النووية عن القيام بالدور الفاعل على المستويين الفنى والتقنى، والانتهاء من تأمين المفاعلات المتقادمة باتخاذ خيار التفكيك أو التحديث أو الإيقاف. واقترح عبد الاله الطويل أن تقوم الدول الغنية بتقديم دعم مادى مساند للدعم الفنى المتوفر لدى الدول مالكة التكنولوجيا الخاصة بإنشاء المفاعلات النووية. وعندها لا يكون على الدول المالكة للمفاعل المستهدف سوى تقديم التسهيلات لتتم تلك العملية بسهولة ويسر. وهكذا لن تتحمل الدولة التى تمتلك المفاعل النووى المتقادم أى شئ تقريبا لأن الجزء الأكبر من العبء هو شطر فنى ويقع على عاتق الدولة التى قامت ببناء المفاعلات وتقوم الدول الغنية بعملية التمويل بينما يأتى الدعم الفنى من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهكذا سيتم تأمين العالم أجمع والأجيال القادمة من خطر المفاعلات المتقادمة. وتستند المبادرة إلى حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأسست فى الأصل بغرض رفع كفاءة وإستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ومنع الإنتشار النووى ومن ثم كان عليها أن تقوم بدور الرقابة والتفتيش والتحقق. قلق نووى!! وكان البروفيسور عوزى إيفن أحد مؤسسى المفاعل النووى فى ديمونا بإسرائيل قد دعا إلى إغلاق المفاعل عقب الأنباء التى كشفت أنه يعانى عيوبا كثيرة فى هيكله الداخلى والخارجى من شأنها أن تعرض حياة الإنسان للخطر. وقال إيفن فى مقابلة إذاعية إن المفاعل فى ديمونا هو الأقدم فى العالم وأن مفاعلات أخرى من جيله قد أغلقت مراعاة لمواصفات الأمان والسلامة الدولية. وجاءت تلك التصريحات بعد أن كشفت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن الخبراء اكتشفوا أكثر من 1500 خلل فى مفاعل ديمونا النووى بسبب تقادم عمره. وفيما نفى بعضهم أن تشكل العيوب المذكورة خطرا، عبر البعض الآخر عن قلقه من تداعيات ذلك على مدى سلامة المفاعل. وأفادت تقارير إسرائيلية بأن خبراء من المفاعل النووى فى ديمونا اكتشفوا أكثر من 1500 خلل فى «قلب» المفاعل نتيجة تقادم عمره. وأشارت الصحيفة إلى أن مفاعل ديمونا يعمل منذ عام 1963، بينما يتم إيقاف المفاعلات المماثلة فى العالم بعد حوالى 40 عاما من العمل. وقالت الصحيفة إن العلماء استخدموا الأشعة فوق الصوتية للكشف عن حالة قلب المفاعل الذى تحدث به التفاعلات النووية وأن نتائج البحث الذى أجراه الخبراء عرضت خلال مؤتمر للشئون النووية تم عقده مؤخرا فى تل أبيب. ووفقا للإذاعة الإسرائيلية، فإن المشكلة الرئيسية التى يواجهها المفاعل هى أنه لا يمكن استبدال قلبه المصنوع من فولاذ الألومنيوم والأسمنت. ولكن حدث جدل عندما أعلن بعض الخبراء أن اكتشاف العيوب المذكورة لا يدل على وجود مشكلة فى المفاعل، بينما أعرب آخرون عن خشيتهم من وضع المفاعل. ولم يكن مفاعل ديمونا إلا أحد المفاعلات التى أثيرت التساؤلات حول سلامتها فى الآونة الأخيرة. ففى شهر مارس الماضى تم إغلاق مفاعل فى محطة نووية غرب الهند، بعد اكتشاف تسرب للمياه، وفق ما أشار مسئولون هنود، مؤكدين أن العاملين فى المحطة لم يتعرضوا للإشعاعات. وأوضح مدير الموقع، أنه لم تتسرب أية مواد مشعة من محطة «كاكرابار» للطاقة الذرية الواقعة فى ولاية جوجارات الساحلية. وكان عام 2011 قد شهد تعرض أربعة عمال فى المحطة للإشعاع أثناء قيامهم بأعمال صيانة وتجديد روتينية بها. وفى بلجيكا تسربت المخاوف ولدى الدول الأوروبية المجاورة، منذ فترة، فيما يتعلق بالمفاعلات النووية ببلجيكا عقب سلسلة من المشاكل، من بينها عمليات تسرب وتشققات وتهديدات بالتخريب. وتم اغلاق مفاعل «دويل1»، أقدم مفاعل نووى فى البلاد، فى عام 2015، بموجب قانون يدعو إلى التخلص التدريجى من الطاقة النووية، إلا أن الحكومة أعادت تشغيله بموجب اتفاق تمديد العمل به. وفى ألمانيا أصابت فيروسات أجهزة كومبيوتر فى محطة للطاقة النووية على مقربة من مدينة ميونيخ. وقد تم إكتشاف هذه الفيروسات فى أجهزة كمبيوتر مكتبية وفى نظام يستخدم لتنظيم حركة قضبان الوقود النووى بالمفاعل. وفيما بعد أكد المسئولون أن الفيروسات لم تشكل خطرا على المنشأة لأن أنظمة التحكم فيها معزولة عن الإنترنت وجرى فحص وتنظيف أكثر من ألف جهاز كمبيوتر من الفيروسات. وهكذا أكدت الأحداث الأخيرة تزايد الإهتمام بالسلامة والأمن النوويين وأهمية التمسك بشروط تحققهما والحفاظ عليهما فى ظل التوسع فى إستخدام الطاقة النووية على مستوى العالم.