لم يعد ينقص صيغة التحالف الجديد في المنطقة سوى أن تكون جاهزة للتقديم. مازال هناك من يصر على أنه من الضروري لهذا التحالف أن يرى النور لا لشيء سوى لأن تثبت الدول العربية للغرب أن بإمكانها الاتحاد تحت قيادة سنية موحدة في مواجهة إيران، التي ينظر لها على نطاق واسع باعتبارها القيادة الموحدة للشيعة. أصحاب هذا التوجه يراهنون على أنه مازال بالإمكان وضع كل البيض في سلة الغرب، رغم ما يظهرونه في العلن من فقدان ثقة غير مسبوق في الإدارة الأمريكية الحالية. يدرك هؤلاء أيضا حقيقة أن الوصول إلى الغاية لا يتطلب إثبات قدرتهم أولا على التوصل إلى الوسيلة. لكنهم يصرون على استراتيجيتهم لأن الولاياتالمتحدة لا تبدو مستعدة بعد لإلقاء مفاتيح المنطقة لأي قوة منافسة.لا يعني ذلك أن التسابق من أجل إثبات الذات أمام الغرب صار سياسة لها معنى، أو أن الأمل في تغيير الدفة، استنادا على سوابق تاريخ طويل من التقارب الوثيق الذي لم يكن ليقوم إلا على سياسة «إثبات الذات»، سيغير توجهات تبدو صارمة للغرب تجاه إيران.لا يقتصر الإسراع الغربي تجاه إيران على إدارة الرئيس باراك أوباما. سياسة تهذيب سلوك الإيرانيين عبر دعم الإصلاح من الداخل صارت تتحكم في حكومات غربية ومؤسسات مجتمع مدني ومراكز أبحاث ووجدان الكثير من السياسيين والمحللين المهتمين بشئون المنطقة. يجد العرب أنفسهم اليوم مدفوعين لتبني أحد خيارين: إما الاستمرار في العيش دون ضوضاء بشروط صاغها الاتفاق النووي الذي وقع العام الماضي بين الدول الكبرى وإيران، أو الانتقال إلى الجانب الخاطئ من التاريخ الذي يمتلك الغرب وحده سلطة تحديد أنه خاطئ. يؤمن الكثيرون في الغرب أن الوقت قد حان لإيجاد مقعد للإيرانيين على الطاولة. سيكون من السذاجة ترك العرب مقاعدهم والسير بعيدا. ما يتعين على العرب صنعه اليوم هو تبني خيار ثالث. يتجسد هذا الخيار في بناء تحالف يقوم على غايات ذات معنى. ملامح هذا التحالف تتشكل ببطء منذ مطلع العام الجاري، لكن مراحله النهائية جاءت أسرع مما توقع أكثر المتفائلين منذ زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة الشهر الماضي. تبع هذه الزيارات توافد خاطف لزعماء خليجيين وعرب على القاهرة. استغرق بناء التحالف الكثير من الجهد من أجل إبقائه سريا، وسيستغرق وقتا طويلا آخر في إقناع المسئولين العرب لتحويل صيغته الجديدة إلى واقع علني. يبقى السؤال الأهم هو: إلى متى سيكون هذا التحالف قادرا على البقاء على قيد الحياة؟ يتطلب الرد إجابات أكثر وضوحا عن أسئلة أخرى على مستوى أقل: من هي أطراف هذا التحالف؟ وما الصيغة الإقليمية التي يسعى إلى فرضها كبديل عن مقاربة الغرب لإعادة تأهيل إيران كزعيم للمنطقة؟ ما هي طبيعة الدور التركي في تحالف تشارك فيه مصر؟ هل لإسرائيل دور في دعم هذه الصيغة الجديدة؟ وإذا كان لها دور فما هو مداه وإلى أي حد يمكن قبوله شعبيا في العالم العربي؟ لا أحد يملك اجابة شافية عن مثل هذه التساؤلات خصوصا السؤال التركي. لا يثق العرب في تركيا منذ ما قبل انهيار الخلافة العثمانية في بدايات القرن الماضي، ولا يأتمنون مواقفها خصوصا بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948 التي دعمتها تركيا في سلسلة من الحروب طويلة الأمد، اختار فيها البلد العلماني إعطاء ظهره للعرب والإسراع لمنافستهم على إثبات الذات للغرب. لا يخفى أيضا التناقض العميق الذي يحكم علاقة مصر وتركيا على وجه الخصوص. توصل الخليجيون إلى اقتناع مفاده أن وجود هاتين القوتين في التحالف ضروري، حتى لو اقتضت الحاجة الاستمرار في التوفيق بين وجهتي نظرهما حول أكبر عدد ممكن من قضايا المنطقة عبر وسطاء. أدرك المسئولون في الخليج أن لا حل آخر في الأفق سوى الاعتماد على أنفسهم. كانت الخطة البديلة هي قيام تحالف من نوع خاص مع الولاياتالمتحدة يقتضي الدفاع عن المنطقة ضد أي تهديدات إيرانية، قبل أن تخذلهم الإدارة الأمريكية وتكتفي بزيادة التنسيق العسكري والتعاون الاستخباراتي مع الخليجيين. مشكلة الحليفين أن لكل منهما حربه الخاصة التي يخوضها في نفس المنطقة. أحدهما ينظر إلى إيران باعتبارها العدو الاول، والآخر يريد التركيز على قتال داعش.خلال زيارة الرئيس باراك أوباما لحضور القمة الخليجية في الرياض الشهر الماضي، قال روب مالي منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض أن «الصراعات الطائفية، مثل الحرب الدائرة اليوم في اليمن، تتسبب في تشتيت التركيز بعيدا عن جهود الحرب على الإرهاب. البيت الأبيض يريد لهذه الصراعات أن تهدأ». بعد هذه القمة وجد اليمنيون المناصرون للرئيس عبدربه منصور هادي والحوثيون أنفسهم محتجزين في الكويت من قبل دول الخليج والقوى الكبرى من أجل التوصل إلى اتفاق يضع حدا حاسما للحرب. في النهاية لن يؤثر التناقض بين الحليفين على استمرار دعم كل طرف للآخر في حربه، لكن من دون التقاء. في المقابل ستحتاج الدول العربية إلى التخلي عن «تطلعها المفتقر إلى الثقة» تجاه الغرب من أجل بناء الثقة فيما بينها. لن تبنى هذه الثقة إلا إذا كان التحالف ذا معنى واقعي يقنع أولا الشعوب العربية قبل أن يقنع قادتهم، ويخلو من الرغبة في إثبات أي شيء لأي أحد. لمزيد من مقالات أحمد أبودوح