تابعت وبشغف لقاءين للدكتور أحمد درويش رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، الأول مع الإعلامى أسامة كمال والثاني مع الإعلامية لميس الحديدى.. وقد شرح فيهما وباقتدار وببساطة مهمة الهيئة العامة التى يترأسها، وتجنب الخوض في الأرقام، بيد أنه لفت انتباهى في الحوارين بعض من الأمور في غاية الأهمية. الأمر الأول: ان الهيئة مسئولة – على حد قول معاليه - عن تنمية وتطوير ما مساحته 461 كيلو مترا مربعا باعتبارها منطقة حرة ذات طبيعة خاصة تشتمل على ست موانئ هى غرب بورسعيد وشرق بورسعيد والادبية والعين السخنة والعريش والطور،إلى جانب تطوير منطقة شرق بورسعيد، والقنطرة غرب والعين السخنة. . أهمية هذه المنطقة الحرة المحاذية أو المتاخمة لمجرى القناة، أنه كان يتوجب مع أول يوم بدأت مصر فيه حفر القناة الجديدة، كان يتوجب ان يتم وضع مخطط عام لها، وإقامة بنية تحتية حتى تستغل على النحو التالي: 1 - شبكة لخطوط تزويد السفن المارة بالوقود، حيث المصفاة في العين السخنة، وتمتد الأنابيب على طول القناة من مأخذها من عند المصفاة. 2 – قاعدة لمستودعات تخزين وتعليب وتغليف وتوزيع، المواد التموينية اللازمة لتموين السفن بما في ذلك مصانع للمواد الغذائية والمياه الصحية والمشروبات الغازية، وعصائر الفاكهة، والألبان، والمربات، والجبن، واللحوم المبردة، وغيرها من المواد الغذائية التى سيتم تزويد السفن المارة بها. 3 – قاعدة لمستودعات تخزين وتعليب وتغليف قطع غيار السفن، بما في ذلك بعض الصناعات الخفيفة كالحبال والارضيات البلاستيك والبويات والمسامير ولمبات الإضاءة ، وغيرها من المواد التى سيتم تزويد السفن المارة بها كقطع غيار. وهذه البنية الاساسية لم تكن تحتاج لمدة أكثر من السنة لتنفيذها، وكانت اليوم ستعمل دون شك بكامل جاهزيتها مع افتتاح القناة الجديدة. ولانجاح مهمة هذه المنطقة في عملها، كان يتوجب ان يكون تم الانتهاء من مصفاة البترول في العين السخنة، باعتبارها مصدر الوقود للسفن المارة. من الواضح من شرح معالى الدكتور أحمد درويش ان هذه المنطقة المتاخمة للقناة آنفة البيان، خارجة كليةعن مهمة الهيئة العامة الاقتصادية، كما ان هيئة قناة السويس لم تعلن قيامها بأى أعمال تتعلق بتلك المنطقة. فيطرح السؤال نفسه، إلى أى من الجهات والقوانين ستخضع هذه المنطقة. أهمية التسأول المطروح يرجع إلى التأكيد على ان هذه المنطقة المتاخمة للقناة هى وحدها الكفيلة بزيادة دخل قناة السويس من 5.7 مليار دولار سنويا إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويا، وعلى قدرتها على توفير فرص عمل لا تقل عن 500 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، برواتب سنوية لا تقل عن 30 مليار دولار. وبقدرتها على تصدير بضائع ومنتجات مصرية بما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويا، باعتبار ان هذه المنطقة المتاخمة مخصصة لخدمة السفن المارة في القناة، من حيث هى كسفينة تحتاج إلى تلك الخدمات، كما تحتاج لخدمات الصيانة والعمرة. أما المنطقة الاقتصادية التى تتولاها الهيئة العامة التى يترأسها الدكتور أحمد درويش، فتنشغل بما تحمله تلكم السفن من بضائع نصف مصنعة، تحتاج إلى تحويلها إلى بضائع مصنعة بالكامل، وتخزينها وإعادة توزيعها، فتلكم مهمة المناطق اللوجستية في كل من الموانىء الستة ومناطق شرق بورسعيد والقنطرة غرب والعين السخنة. المنطقة المتاخمة للقناة يمكنها ان تعطى ثمارها خلال عام، أما المناطق الاقتصادية فتحتاج من ثلاثة إلى خمسة أعوام لتقدم أولى ثمارها. الأمر الثاني: ان المنطقة اللوجيستية المحاذية لميناء شرق بورسعيد، جاء مخططها العام خاليا من مطار رمانة الدولى – الذى سبق للكاتب باعتباره صاحب الملكية الفكرية لمشروع شرق بورسعيد مذ ان تم نشره كاملا على صفحات الأهرام الاقتصادى في مارس وابريل من العام 1993 - ان ضمنه في مشروع شرق بورسعيد، وهذا المطار الدولى في مهمامه يختلف عن مطار المليز المزمع إقامته في وسط سيناء والذى سيكون بطاقة 1.7مليون مسافر سنويا والذى تحدث عنه الرئيس السيسي مؤخرا. هذا المطار مطار رمانة الدولى هو الذى سيحول شرق بورسعيد إلى مركز لوجيسيتي عالمى متعدد واسائط النقل، فهو مطار بطاقة لا تقل 90 مليون مسافر سنويا، حيث سيخدم حركة المسافرين الترانزيت من وإلى القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، وبطاقة حركة بضائع لا تقل عن مطار اسكيبول في هولندا، وبه محطة لصناعة وصيانة وعمرة الطائرات. ويحتوى على واحدة من أكبر الأسواق الحرة في العالم. وبدون هذا المطار لن ينجح مشروع شرق بورسعيد في تحقيق اهدافه، أو في منافسة المشاريع الأخرى. يلاحظ ان المنطقة الحرة لجبل على يخدمها اليوم مطاران دوليان لا مطار واحد فقط. الأمر الثالث: يتعلق بفكرة المنطقة الحرة، حيث قرر معالية ان هناك ضريبة ستفرض بنسبة 22.5 % وانه قد اضطر لموافقة وزير المالية على فرض هذه الضريبة ونحن نرى من جانبنا ان هذا الأمر لا يستقيم مع فكرة المنطقة الحرة، فالمنطقة الحرة الاقتصادية كما عرفها استاذنا الفاضل الدكتور محمد طلعت الغنيمي – طيب الله ثراه – ابو القانون الدولى في مصر والعالم العربي – هى المنطقة التى لا سيد لها من الناحيتين الضريبية والجمركية. لذلك دعنا نختلف مع معالى الوزير في ان الأمر يتعلق بحزمة تنافسية، يأخذها المستثمر أو يتركها، المنطقة الحرة الاقتصادية لقناة السويس، هى منطقة لخدمة التجارة العالمية، فلا تخضع لأية ضريبة، ودعنى كرجل قانون واقتصاد، ان اقدم مفاجأة للمسئولين قبل السادة القراء. المفاجأة هى ان مصر تحصل على 25% ضريبة من المنبع عن كل دولار أو عملة أجنبية يدخل أو تدخل مصر! .. بعبارة أخرى أكثر تبسيطا فان كل عملة أجنبية تدخل مصر، ووفقا للتكييف القانوني، تمكن البنك المركزى المصرى - في حقيقة الأمر – من تحصيل ربع قيمة هذه العملة الحرة كضريبة غير مباشرة، استخدمت مباشرة في طباعة النقد المصري. السؤال للمجموعة الوزارية الاقتصادية، لماذا الإصرار على ان يكون النشاط الاقتصادى في مشروع قناة السويس، ملزما بتسديد 22.5 % ضريبة. إلا إذا كان القصد إعاقة هذا النشاط.!! هذا كله قبل ان نتحدث عن عوائد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أى المنطقة الاقتصادية الخاضعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فالمتوقع منها ان تحقق ستة أضعاف ما تحققة المنطقة المتاخمة لقناة السويس، فمن حيث الدخل من المتوقع ان يصل إلى 600 مليار دولار سنويا، ويكون فرصة لإصدار مكون نقد مصرى بمقدار الربع أى 150 مليار دولار بما يعادل 1.5 تريلون جنيه مصرى( ضريبة غير مباشرة لمن يهوى فرض الضريبة) وعائد للاقتصاد الوطنى مقداره 4.5 تريليون جنيه مصرى، بما في ذلك ستة أضعاف فرص العمالة، أى نحو 3 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. هذه هى فرص مصر من استثمار المناطق الاقتصادية المتاخمة والمتعلقة بقناة السويس، نحن اليوم أمام الذهب الأخضر، ليس الدولار، وإنما لون مياه قناة السويس، فاتنا الكثير حيث فشلنا في استغلال قناة السويس استغلالا اقتصاديا أمثل، كما فشلنا في استغلال المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد استغلالا اقتصاديا أمثل! الخبير في القانون الدولى والمحامي بالنقض لمزيد من مقالات حسن أحمد عمر