الزواج قسمة ونصيب والطلاق كذلك, ونعمة الله التي أجهدها وأسقمها عدم التوافق في العلاقة الزوجية, وعدم التوفيق في صحة اختيارها, رأت أن تضحي بكل غال ورخيص في سبيل التحرر من علاقة في رأيها لن تستقيم مطلقا. وبدلا من انتظار مريع قد يمتد لسنوات خمس حتي تنتهي إجراءات الطلاق بطرق التقاضي الاعتيادية, طلبت الخلع من زوجها بناء علي قانون الخلع الجديد, وتيسر لها ذلك ونجحت بعد عامين في الحصول علي الخلع, لكنها خرجت من هذه الزيجة يا مولاي كما خلقتني. ثم تبسم الحظ لنعمة الله مرة أخري ووجدت ابن الحلال الذي رضا بها ورضت به, وتمنت من الله أن يعوضها بهذه الزيجة شقاء الزيجة السابقة, ومن تلك اللحظة مضت الأمور بكل سلامة, وجدا شقة الزوجية المناسبة واتفقا علي كل تفاصيل الأثاث, أما من جهة الصداق والمقدم والمؤخر والشبكة فتم الاتفاق فيها كما تقتضي الأصول. كان العريس علي عجلة من أمره فاجازته بمصر أوشكت علي الانتهاء, ولابد أن يتم زفافه بسرعة حتي يعود إلي عمله بالخليج, ثم تستكمل نعمة الله أوراقها علي عجل وتلحق به في الغربة.. خطت نعمة الله وعريسها عتبات مكتب المأذون باعتبارها عتبات البهجة.. بعد أول رشفة من كوب الليمون أخبرهما المأذون بضرورة تقديم شهادة صحية للزوجين, وقال لهما إنها تستخرج مجانا من مكاتب وزارة الصحة بعد أخذ عينة دم من الطرفين وتسلم بعد أربعة أيام. بان الضيق علي وجه العريس ولمحه المأذون بمهارة فتبسم وهو يقول: ما تقلقش ممكن تسيب اسمك واسم العروس واحضرهالك في نفس اليوم وبدون عينة الدم بس تدفع مائة جنيه.. وافق العريس بسرعة وتبسمت نعمة الله بعد أن انخلع قلبها, وفرد المأذون دفتره وبدأ يسأل ويدون الإجابات بروتينية, إلي أن سمع منها أنها خلعت زوجها, هنا انتفض وهب وثار وقال بهياج: إن الخلع ليس طلاقا علي الإطلاق وأنا لا أعترف به, اعترضت نعمة الله وقالت محتجة: لكن الدولة تعترف به, قال المأذون بحسم: الدولة تعترف به أو ترفضه لا يعنيني ذلك.. هذا مخالف للشرع, إذا أردتي أن أعقد عليك مرة أخري فهاتي شهودا لا يقلوا عن اثنين يشهدون أنه تم طلاقك طلقة شرعية, حاولت نعمة الله أن تشرح له الأمر مرة ثانية لكنه قاطعها وقال بحسم: أحذرك أنت مازلت في ذمة زوج والزواج مرة ثانية معناه أنك تجمعين بين زوجين فاتقي الله, ثم أزاح المائة جنيه من فوق الطاولة وأغلق دفتره مشيرا لهما بالانصراف.. حدث هذا فعلا وكادت زيجة نعمة الله الثانية ألا تتم لولا أن صديقة لها دلتها علي مكتب مأذون آخر عقد لها القران.. ما لفت نظري في هذه الحكاية هو أن المأذون قبل أن يأخذ رشوة لتسهيل حصولها علي الشهادة الصحية, وهذا مخالف لصحيح الدين, ورفض أن يزوجهما متحديا القانون بناء علي اجتهاد منه, وبما أنه من المعلوم أن الذي يقر الزواج هو قاض وليس المأذون الذي هو في حقيقة الأمر موثق عقود, ومجرد شخص يقوم بالإجراءات الشرعية مفوضا من القاضي رئيس الدائرة الشرعية بالمحكمة, إذن هم أقرب إلي موظفين بوزارة العدل جل عملهم القيام بالإجراءات التي يحددها القانون وملء قسائم الزواج والتأكد من خلو المتقدمين من الموانع الشرعية للزواج.. وفي رأيي أن هذا المأذون أخطأ ويجب أن يجازي لأنه خلط بين إجراءات القانون والفتوي وإنه برفضه إتمام هذه الزيجة أعاق الخدمات العامة للجمهور, ويجب التشديد علي هذه المكاتب بالاقتصار في عملها علي أداء الواجب المنوط بها حتي لا تنتقل هذه الأفكار من مكتب لآخر ونفاجأ بكارثة لا تحتمل.. قد يرد أحدهم بأن قانون الخلع ليس شرعيا, وللعلم أنا لا أفتي بصحته من عدمه, وكون أن هذا القانون محل جدل في البرلمان الآن لا يعني أن نترك الحبل علي الغارب.. أنه قانون مطبق حتي هذه اللحظة واستفادت منه آلاف الحالات ولم يتقرر إلغاؤه.. لذا لا يجوز التشكيك فيه أو العمل بخلافه حتي يتغير, أو يحسم الرأي فيه ويجب الدعوة إلي معاقبة الموظفين العموميين إذا ما قرروا الافتاءات علي قرارات الدولة أو الالتفاف حولها, فهيبة الدولة هي هيبتنا جميعا فاتقوا الله فينا. المزيد من مقالات مكاوى سعيد