كانت أبواب «مصر» قبل أن يتم استهدافها، تفتح جنوباً على «السودان» كاملاً وتلقى بظلال على الأراضى التشادية، بينما تمتد بوابتها الغربية إلى عمق الصحراء الليبية قبل أن تتنازل انجلترا عن واحة «جغبوب» الليبية ليضمها الاحتلال الإيطالى إلى ليبيا عام 1922م، فيما تنتهى البوابة الشرقية على أطراف «غزة»، وبمرور السنون والمؤامرات، تحولت الامبراطورية المصرية القديمة إلى خمس دول تاركة لمصر الحالية قرابة 40% من مساحتها التى كانت. كانت تغلق أبواب مصر قبل 150 سنة، على أكبر سلال للغذاء فى العالم، وعلى ما يناهز ثلث الحضارة الإنسانية، وعلى قبلة العلم الإسلامى «الأزهر»، وعلى مساحات شاسعة من قلوب لم تعرف التعصب ولا الغباء حتى صارت محضناً لكل قاصد من أقصى الأرض وأدناها، إنها «مصر» التى وقف أبو الأنبياء «إبراهيم» عليه السلام على نيلها داعياً (اللهم اجعل هذا النهر من لبن وعسل)، والتى عناها يوسف الصديق حين طلب (اجعلنى على خزائن الأرض) ليكون طعامها إنقاذا للبشرية فى السنين السبع العجاف، والتى تجلى الله على أرضها لنبيه موسى، والتى رعت بأمانها رحلة العائلة المقدسة حتى ودعها المسيح عليه السلام عند رحيله قائلاً (مباركة أرض مصر، مبارك شعب مصر)، والتى قصدها خاتم الرسل محمد صلوات ربى عليه بدعوته وصاهر أهلها وأوصى بهم خيراً لما لهم فى رقبته الشريف من مصاهرةٍ وذمة. وعلى أبواب الوطن المستهدف، يقف من كل اتجاه مندوبون عن النظام العالمى الجديد، يرون فى عودة مصر إلى مكانتها المستحقة كارثة، وتحت شعارات عدة يبذلون كل جهد لتقنين واقع يهدد ثبات الدولة المصرية ويفرض على بواباتها مخاطر دائمة، فمن الشرق «ليبيا» التى أسقطها النظام الدولى تاركاً سلاح جيشها هدية سلام لقبائلها، لتتحول إلى مرتع للفوضى، ولتغرق الدولة الليبية فى مستنقعات من دم الأشقاء المتصارعين باسم الدين تارة والقبلية ثانية والوطنية أخرى، وليصير للمسخ الداعشى حاضنة يتكاثر فيها، وليستحيل الجنوب الليبى حلبات حرب أهلية تدور جولاتها يومياً، وليسيطر التنظيم الدولى للإخوان على بعض ليبيا ضامناً بقاءه فى المشهد الليبى دعماً للتنظيم الأم الذى أسقطته مصر. إنها «ليبيا» التى كانت رئة حياة لشعب مصر حين عصفت به سنين مبارك العجاف. وتحولت بفعل تدخل النظام العالمى إلى بوابة هلاك يعبرها من يستهدف لمصر ذات المصير الليبى. وعلى بوابة الوطن الجنوبية، السودان لم يعد واحد، يئن من تقطيع أوصاله، ويدمى جسده بصراعات قبلية وعرقية ودينية تمت رعايتها دولياً خلال عقود من غفلة مصرية وعربية، ويهدده مصير ينذر بمزيد من التفتت، بينما يهدده العطش ويهددنا- بفعل (سد النهضة)، ويراود إسلامه التنظيم الدولى الذى اتخذ من السودان قبلة تجمع وبنك استثمار وساحات للتدريب والتسليح، وحين نغض الطرف عن كل مهددات يفرضها الواقع على أرض السودان نكتشف أن تهديداً جديداً ينطلق عبر باب المندب حيث اليمن الذى تعبث فيه أياد غربية وفارسية وتزدهر فيه نبتة التنظيم الإخوانى الشيطانية. والجميع يستهدفون الوطن المصرى المأمول حتى لا يكون . وعلى بوابة الوطن الشرقية، نما لعصابات صهيون (دولة)، ونما للتنظيم الإخوانى أخرى، وخلال السنوات العشر الأخيرة تاهت (فلسطين) بين مجاهدى حماس الذين حصروها فى غزة دولتهم، وبين قيادات فتح الذين تاهت بوصلتهم بين كراسى حكم فى الهواء، وجلسات مفاوضات تذهب هباء، ومراوغات حوار (إخوان حماس) التى لا تخلف لشعب فلسطين إلا العناء. وعلى باب الوطن المأمول، يقف ملايين المصريين، خدروا صراخ الحاجة بحلم ينضج على جمر الثقة فى قيادة ترعى، طووا جوع السنين على مسند اليقين بأن مصر التى أمنها الله لا يموت فيها إنسان من جوع، إنهم ملح أرض مصر وخير أجناد الأرض فى كل وادٍ إن أحسن الراعى رعايتهم . متنبهاً لحجم المخاطر المحدقة بهم، وواعياً لما حباهم به الله من أبجديات البقاء، وممسكاً بدفة القيادة رغم قسوة الأمواج فى مياه الوطن وخارجها، وأميناً على حلم المصريين فى أن تعود مصر التى كانت وستكون. وعلى باب وطن ثار ثورتين، دافعاً من أمان قديم فاتورة فساد حديث، ومدافعاً بإيمان قديم عن وطن مزروع فى طينة النفوس الفطرية، ورافعاً راية البناء فى وجوه كل من باعوه هدما، وروعوه بالخصومة فجراً، وسيسوا دينه وثقافته وتعليمه ورياضته تجريفاً وتسطيحاً وعهراً، حتى انتحروا على الطرقات العمومية ومن نوافذ الشرفات، وحتى كتبت إحدى فتيات التنظيم الإخوانى أثناء فرارها عبر المطار من وطنها إلى وطن التنظيم، كتبت تقول على صفحتها (مع السلامة، باى باى يا مصر)! وحتى صار للخراب رموز وفضائيات ودعاة فتنة يطلون شامتين فى خراب صنعوه، يتضاحكون على مآسينا ومآسيهم التى استهدفوها حتى قال منشدهم بعد تفجير الأمن الوطنى فى شبرا الخيمة (قمة الوقاحة لما تكون شقيان فى تفجير وتلاقى حد تانى مطلع بيان بينسبه لنفسه). بينما شيوخ الفتن الإخوانية فى تكييفات المنافى يُشرعون عبر (نداء الكنانة) و(بيان علماء أهل السنة)، لإسقاط مصر فى مستنقعات الدماء المغدورة وأطلال الخراب المنفجر جهاداً . على باب الوطن المأمول، متآمرون مدفوعون بعلاقات تنظيمية وأمريكية وانجليزية ومتعددة الجنسيات والتمويل، يطلون على واقعنا كل حين حاملين (مبادرات للصلح)، سرعان ما يتراجعون عنها حين تنكشف سوءات لاتسترها الابتسامات البلاستيكية ولا الوطنية المعلبة. ولا جدال بأن النظام الدولى لن تتوقف ضغوطه على مصر. على باب الوطن المأمول، شعب ينتظر الفرج، من قيادة تعى حجم الأخطار والمهددات، وتستشعر طول الجوع المصرى للقيمات أمل تسد رمق تطلعات بنيهم لوطن قادر على أن يُستأمن على أمانيهم، وهذا الشعب يبيت مفجوعاً حين يخرج عليه نقيب الصحفيين السابق ليرحب فى مقدمة برنامجه على إحدى الفضائيات الخاصة بالإفراج عن أحد قادة تجمع رابعة العدوية المسلح، واعتباره نواة للمصالحة وبناء جبهة معارضة مستنيرة تساهم فى مجلس النواب القادم وتشارك فى التشريعات الجديدة! إن شعباً صنع ثورتين وأسقط خلالهما نظاماً بوجهين، واختار رئيساً يقود الوطن عكس اتجاه كل تيارات النظام الدولى الجديد، ينتظر من قيادته الجديدة أن تعود به لعهود الامبراطورية المصرية التى ولت، سيادة وثراءً لا حدوداً وسلطاناً، وهذا الحلم الشعبى لن يتم طالما أدوات صناعة الوعى وإدارة المرحلة تتحرك عبر شد الوطن إلى حظيرة ما كان قبل 25يناير 2011م حيث نظام يحكم علناً وتنظيم محظور يتحكم فى مفردات الواقع سرا، وشعب يعانى بينهما. و للحديث بقية لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى