سأكون صريحا هنا وصادما كما لم أكن من قبل، وسأوجه اتهاما مباشرا لمفكرين إسلاميين كبار عن المسئولية المباشرة لما وصلت إليه حركات وجماعات الإسلام السياسى من انهيار . فيمَ يغيب المستشار طارق البشرى الذى نظر طويلاً للجماعة الوطنية ودمج الإسلاميين فى مكونات الوطن يحضر صابر مشهور مراسل الجزيرة السابق ليجعل من الحركة الإسلامية عدواً لتاريخ وحاضر الوطن ومؤسساته ورموزه، وفيمَ يغيب المفكر محمد سليم العوا فى مهمة قضائية يستطيع القيام بها أى محام آخر وهو الذى نظر طويلاً لعلاقة شراكة سوية بين الإسلاميين» والتيارات الأخرى والوطن والدولة دون مغالاة وتكفير، يحضر نموذج وجدى غنيم الذى صار ملهماً لشباب الحركة اليوم فى التكفير والعزلة عن الواقع والصدام مع الجميع . وفيمَ يغيب الدكتور محمد عمارة صاحب التنظيرات المشهورة لاستعادة العقلية الإسلامية رشدها ورصانتها ومكانتها ، يحضر نموذج آيات عرابى ومحمد ناصر ومعتز مطر نحو تسطيح العقل الإسلامى بتصورات وتحليلات نظرية المؤامرة . نعم انتكست الحركة الإسلامية وتعرضت لهزيمة مدوية جميعنا يعرف أسبابها ومقدماتها ، وتعيش اليوم كابوسا رهيبا بفقدان كل شيء بنوه تقريبا على مدى عقود، لكن ربما كانت النكسة منحة ربانية لتصحو الحركة من غفوتها وتفيق من سكرة تقديس الرموز ولتباشر تصحيح المسار ومراجعة الأخطاء، والبدء من جديد على أسس فكرية ومنهجية سليمة، أما أن تكون النكسة مضاعفة بهذا الشكل، لتقع الهزيمة فيغيب المسئولون التاريخيون عن التنظير الفكرى والتواصل مع الجماهير وليتلقى شباب الحركة وجماهيرها والمتعاطفون معها زادهم الفكرى وقوتهم العقلى من معامل تصنيع وضخ الهذيان المؤامراتى التكفيرى فى الخارج ومن نماذج نفعية لا رأس لها ولا ذنب ، فتلك هى الكارثة الحقيقية، التى تنذر باستمرار النكسة إلى ما لا نهاية دون أمل فى صحوة أو تصحيح على المدى المنظور . المشهد فى منتهى الغرابة ففى ظل الاختفاء الطوعى للمفكرين العقلانيين الكبار يتناول شباب الحركة الإسلامية اليوم ساندوتشات الفكر المقدد المعدة فى استديوهات تركيا وعقاقير تخدير العقل ؛ فكل شيء على ما يرام والتيار الإسلامى ملائكة وقديسون ومناضلون أحرار وخصومه عبيد متآمرون فسدة كفار تماما مثل زالهيبيزس هروبا من الواقع وتميزا عن المجتمع بالشعر الطويل والملابس المهلهلة وموسيقى الروك والغيبة عن الواقع برفض الاندماج وبالعقاقير والماريجوانا والمخدرات . التحول من ماض رصين ومعالجات عقلانية ورموز محترمة إلى عبث فارغ ومعالجات مهووسة يؤديها مهرجون أصابنى بالصدمة، وأسبوع فقط أمام برامج وكتابات آيات عرابى ومحمد ناصر ووجدى غنيم وصابر مشهور ومعتز مطر، جعلنى أدرك فداحة الخطب ومقدار «الجريمة» التى يرتكبها المستشار البشرى والعوا وعمارة عندما تركوا الساحة الإسلامية لعبث الصغار ممن لا يفرقون بين الألف وعمود الإنارة، وبين شعر ابن الرومى والجبنة الرومي، وبين مشروع الإصلاح التجديدى لمحمد عبده و «المعازيم» لمحمد عبده، وبين سلفية ابن عبد الوهاب و«يا وابور قوللي» لمحمد عبد الوهاب. فمن هم هؤلاء فى مسيرة الفكر الإسلامى ليستولوا على عقول شبابنا ويخربوا فيها ؟ التعرض لهزيمة أمر وارد بل جيد فى كثير من الأحيان للتمحيص وإظهار الكفاءات واستعادة الوعى وخلع رموز ودواعى التقهقر والجمود وضخ دماء جديدة وأفكار جديدة ومناهج جديدة ومراجعة الأساليب والوسائل وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات وصولاً لأداء أرقى ولحركة أكثر نضجا ورشدا، أما ما يحدث اليوم عقب هزيمة التيار الإسلامى السياسية بقيادة الإخوان فهو جريمة تاريخية مكتملة الأركان، لأنه عدوان على كل تاريخ الحركة وتراثها وتدمير حتى الجوانب الإيجابية فيها وتحطيم آمال عودتها كشريك وطنى وكمسهم فى النهضة والتنمية بالانتصار فقط للفكر الأحادى العدائى الاستعلائى وللوثة التكفير فى تاريخ الحركة . هل يدرك هؤلاء المفكرون الثلاثة على وجه التحديد كيف تحولت الحركة الإسلامية من التجديد والاجتهاد والإحياء إلى التقليد والجمود، ومن الرصانة إلى التهريج ومن العقلانية إلى الهوس والهذيان ومن إيقاظ الوعى إلى تخديره بالأحلام والرؤى والمنامات ونظرية المؤامرة . هل يدركون أن الحركة الإسلامية باتت أكثر انعزالا وانفصالا عن مجتمعاتها وأوطانها، وأنها صارت منبوذة ومكروهة من غالبية الناس، لأنها صارت من خلال هؤلاء أكثر عنفاً وتكفيرا وتحريضا على المصريين وعلى الوطن وأقل رشدا، بغض النظر عن الخلافات السياسية، أو الاتفاق والاختلاف مع هذه السلطة أو تلك ؟ هل يدركون أن الحركة الإسلامية عادت إلى الخلف سنوات وسنوات، وكيف جعلها هؤلاء المهرجون مثارا للسخرية والتندر، ويسخر المصريون على صفحات التواصل الاجتماعى من تجليات وجدى غنيم اليومية وآخرها مقارنة سعة قناة السويس الجديدة بطشت والدته ؟ هذا مجرد نموذج لطقس يومى يغلب على ردود أفعال غالبية المصريين على واقع وأداء وتنظيرات وأفكار زهيبييزس الحركة الإسلامية الجدد، بعدما قادوا الحركة وشبابها من الواقعية إلى الخيالات والمنامات والرؤى الإطلاقية، ومن الأداء المتوازن الشفاف إلى الهوس التكفيري، ومن الاحترام والتقدير إلى زالتفذلك والتمسخر» . فإذا كان قادة الحركة وزعماؤها مشاركين بأداء سياسى باهت ضعيف ويعوقهم تورطهم السياسى عن القيام بدور فكري، فما هو عذر مفكرى ومنظرى الحركة المستقلين التاريخيين ؟ لمزيد من مقالات هشام النجار