أخيرا اتفقت إيران وأمريكا.. وتوصلت الدولتان تحت غطاء محادثات «سداسية» لاتفاق بشأن برنامج إيران النووي.. فى الوقت الذى تواجه فيه العلاقات بين الولاياتالمتحدة والدول العربية القيادية فى المنطقة على رأسها مصر والسعودية تحديات قوية لم تعرفها على مدى العقود الأخيرة التى اعتبرت فيها العلاقات «استراتيجية» خاصة السعودية. وبالرغم من أن الدول العربية الخليجية، خاصة طالبت مرارا وتكرارا بأن يراعى الاتفاق مصالحها، ويتضمن بنودا تلزم إيران باحترام سيادة تلك الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وأن تكف عن دس أنفها فى الشئون الداخلية للدول المجاورة وأن لا تسعى إلى التوسع فى نفوذها على حساب جيرانها، فإن الاتفاق الذى أعلن عنه أمس، تجاهل كل تلك المطالب، بل إن الولاياتالمتحدة وحلفاءها الغربيين تجاهلوا مطالب العرب بضرورة وجود ممثل أو مندوب للدول العربية فى المفاوضات باعتبار أن الاتفاق يمس أمنهم القومى مباشرة أكثر من الولاياتالمتحدة ذاتها أو حلفائها. ومن المرجح أن يفتح الاتفاق النووى الإيرانى مع القوى الغربية الباب على مصراعيه لدول عديدة فى المنطقة تسعى للحصول على قدرات نووية سلمية أو عسكرية، بل من المرجح أن يطلق الاتفاق يد إيران أكثر مما هو الآن - فى المنطقة العربية، وأن تصبح القوة الإقليمية - الأكثر تأثيرا ونفوذا فى الشأن «العربي» - ليس فى اليمن وسوريا والعراق ولبنان فقط، كما هو الحال الآن، ولكن فى سائر شئون المنطقة.وبعد أن كانت الاشتراطات الأمريكية لرفع العقوبات عن إيران تتضمن توقف إيران عن تصدير «ثورتها الإسلامية» إلى الدول المجاورة والتدخل فى شئون تلك الدول، فإن الاتفاق الذى أعلن أمس تجاهل كل ذلك، بل إن لم يكن محل تفاوض بين الجانبين من الأساس الاتفاق النووى مع إيران سوف يدفع الدول العربية الكبرى فى المنطقة وربما تركيا إلى اتخاذ كل الخطوات لحماية أمنها وسيادتها والحصول على «رادع» يوفر لها الحماية ضد أية تهديدات إيرانية.وعلى الرغم من التصريحات الإيرانية التى أطلقها قادة إيران عقب الإعلان عن الاتفاق أمس بالقول بأن «أمن الدول المجاورة من أمن إيران» فإن الواقع على الأرض يقول بغير ذلك، لأن رفع الحصار الاقتصادى عن إيران سوف يوفر لها آفاقا واسعة لدعم المنظمات والدول الموالية لها فى المنطقة العربية، وتزويدها بالأموال والسلاح.ومن المرجح أن يصب الاتفاق النووى مع إيران المزيد من النار على الزيت فى العلاقات الإيرانية السعودية، حيث يوفر الاتفاق الإيرانى مجالا لممارسة غطرستها ونفوذها وطموحاتها السياسية التى لا حدود لها ضد جيرانها من الدول العربية الصغيرة والضعيفة التى كانت تحتمى - نظريا - على الأقل بمظلة الحماية الأمريكية والآن يبدو أن واشنطن فى مرحلة مراجعة شاملة لسياساتها فى الشرق الأوسط، وفى منطقة الخليج بعد استقرار تدفق النفط فى الأسواق العالمية وانخفاض أسعاره، ووجود وفورات هائلة فى المخزون الأمريكى وتبدو ملامح السياسة الأمريكية الجديدة هى الاعتماد على إيرانوتركيا أكثر والتخلى عن مصر والسعودية والخليج العربى فى ظل حالة الفوضى السياسية والاجتماعية والعنف والتطرف الذى يسيطر على المنطقة العربية مثل بداية «الربيع العربي».وربما يكون صحيحا ما يردده بعض المحللين من أن أحداث الربيع العربى تم الاعداد لها ووضع خطتها فى اعقاب احداث 11 سبتمبر 2011 بعد أن أقنع بعض الكتاب والمثقفين الأمريكيين الإدارة الأمريكية بأن الإرهاب «فعل سني» لا يؤمن به ولا يعمل به إلا المسلمين السنة، وليس الشيعة!