يوفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل.. أبرز المعلومات عن المركز الزراعي المتكامل    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات ضمن البرنامج الوطني لتنمية المجال    إسرائيل ترفض منح رئيس وزراء النرويج تصريح دخول لهذا السبب    ضربة روسية عنيفة بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة فى أوكرانيا    رئيس كوريا الجنوبية يعلن زيارته لمصر والإمارات الأسبوع المقبل    الأهلي ينعي محمد صبري بعد وفاته في حادث سير    وداع موجع لأيقونة الزمالك.. محمد صبري يرحل قبل أن يفي بوعده لجمهوره    الداخلية تكشف حقيقة الادعاء بضبط شخص دون وجه حق بالشرقية    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    دار الكتب والوثائق تعيد إحياء تراث مجلات الأطفال في احتفالية الطفولة    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    الهام شاهين للمخرج محمد عبدالعزيز: "عندك خلطة النجاح ولك يد كبيرة في صنع الهام شاهين "    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    عيار 21 الآن.... تعرف على اسعار الذهب اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    وفاة نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق محمد صبري إثر حادث سير    الحماية المدنية الجزائرية: اندلاع 22 حريقا في عدة ولايات واستمرار عمليات الإخماد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    وزارة الصحة: الذكاء الاصطناعى المسرح الاستراتيجى للتنمية المستدامة    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهنشاه إيران
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 05 - 2015

الرِجل تدب مطرح ما تحب، وهي التي تحب كثيرًا زيارة جامع السلطان حسن بن السلطان قلاوون بمنطقة القلعة، وإذا ما كان لمصر الفرعونية أن تفخر بأهراماتها فإن لمصر الإسلامية أن تتيه عجباً بالجامع الشامل الذي بدأ العمل فيه عام 757ه، ليستمر البناء علي مدى ثلاثة أعوام ليُقال في أيامه إنه أكبر وأبهي من إيوان كسرى بالمدائن فى العراق، ومن حسناته الكبري أن لكل زاوية من زواياه باباً يوصل إلي إحدى المدارس الأربع، ليدرّس في كل مدرسة منها مذهب من المذاهب الإسلامية، حيث رتب السلطان لكل مذهب شيخاً ومائة طالب للدراسة وثلاثة معيدين لكل منهم راتبه الشهرى، وكان هناك مدرس خصوصى للحديث النبوي بمرتب ثلاثمائة درهم شهريا، ولقاضى القضاة أيضا مثلها ثلاثمائة.. و..تدب الرِجل المحبة في مقابل جامع السلطان حسن لزيارة جامع الرفاعى الذي أمرت ببنائه عام 1911 خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل، وقام بتصميمه على الطراز المملوكى أكبر مهندسي مصر وقتها حسين فهمي باشا، وتوقف العمل فيه بعد وفاتها لمدة ربع قرن، وجاءت تسميته نسبة للشيخ أحمد الرفاعي شيخ الطريقة الصوفية المعروفة بالرفاعية، لكنه لم يدفن في مصر، وإنما ضم الجامع قبور عدد من المشايخ منهم الشيخ علي أبوشباك من ذرية الرفاعي، ليغدو بعدها مثوى ومرقد الغالبية من أفراد الأسرة العلوية علي رأسهم الخديوي إسماعيل ووالدته، وأبناؤه وبناته: وحيدة هانم، وزينب هانم، وزوجات إسماعيل «شهرت فزا هانم، وجانيار هانم، وجشم آفت هانم»، والسلطان حسين كامل ابن إسماعيل وأخوه الملك فؤاد، وآخرهم الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق الذي وافق جمال عبدالناصر علي نقل جثمانه إلي القاهرة في 27 مارس 1965 بعد ضغوط من الملك فيصل والضباط الأحرار ليتم الدفن في الساعة الثانية صباحا سرا في أحد مقابر الأسرة في القاهرة، وبعد ناصر 1970 وافق السادات علي نقل رفات فاروق آخر ملوك مصر إلي مسجد الرفاعي ليرقد جسده للمرة الأخيرة بجوار قبري جده وأبيه إسماعيل وفؤاد بحسب وصيته، حيث لم يحضر لحظات الوداع الأخير سوى شقيقتاه فوزية وفايقة وزوجيهما.. والغريب أن شاه إيران كان قد قام بدفن والده رضا بهلوي في مسجد الرفاعي في فترة زواجه بالأميرة فوزية، وعقب حدوث الطلاق قرر الشاه إعادة جثمان والده إلى طهران، ليعود هو ذاته بعد أكثر من ثلاثة عقود ليدفن في الغرفة الرخامية المنفصلة ذاتها.
في زيارتى الأخيرة للرفاعى أشار أحدهم إلي قبر الشاه محمد رضا بهلوى بقوله: «لم يجد سوى أرض مصر الطيبة تأويه دون بلاد العالم لتصبح في نهايته مرقدا له».. فيجيبه مرافقه المتعصب: «وكيف يدفنون الشيعى في مقابر السنية؟!».. وسمعت وحزنت وتذكرت المقابل العكسي لمثل هذا القول عندما اعترضت الإمبراطورات الثلاثة أرامل والد الشاه الذي اضطر للتنازل عن عرشه لصالح ابنه إثر احتلال الحلفاء لبلاده في 1941 ومات في جنوب أفريقيا عام 1944 اللاتى ينتمين لأرفع الأسر القبلية بإيران، وهى قبائل باختيار، وقاشجاى كادجار، وقرة جيوزلس، علي زواج الأميرة المصرية فوزية من الشاه، وكان اعتراضهن بأنها مصرية متطفلة وغير مرغوب فيها، إلي جانب أنها أميرة سنية كافرة فُرضت علي إيران الطاهرة، هذا رغم أن إحدى الإمبراطورات العجائز الثلاث كانت سمسارة للساعات السويسرية، حيث احتكرت زورًا بيع الساعات في طهران بعد شراء جميع المعروض للبيع في بغداد في زمن الحرب، وكان المواطنون كما جاء في مذكرات كريم ثابت الذين يحتاجون إلي معرفة الوقت يضطرون لدفع أسعار باهظة حتى لأرخص الساعات والمنبهات السويسرية.. وكانت المؤسسة الإيرانية الرسمية قد أزعجها سلوك فاروق المتعجرف بعد وفاة رضا شاه عندما اعترض متعلقاته القادمة إلي القاهرة من جنوب أفريقيا، وانتزع سيفاً مطعما بالأحجار الكريمة للحفلات ليُضيفه إلي مجموعته التذكارية العسكرية، هذا إلي جانب الصداقة الجديدة وقتها بين فاروق والملك عبدالعزيز آل سعود التي كانت تمثل إزعاجا بالغاً لإيران نظرا للخلافات الكامنة والمتفجرة بينها وبين السعوديين، والتي تطفو عادة على السطح خلال موسم الحج السنوى إلي مكة عندما كان الحجاج الشيعة كثيرا ما يشتركون في مظاهرات عدائية ومهينة ضد السنيين، ومن هنا كان الشاه رغم وده وحسن نيته ورغبته في الحفاظ علي أواصر الارتباط الزوجى بالجميلة فوزية فقد كان من المشكوك فيه قدرته علي أن يكفل لها الطمأنينة والأمان..
من هنا أذيع أن الإمبراطورة ستزور شقيقها ملك مصر لقضاء عطلة قصيرة في مسقط رأسها، وعندما عاد عادل ثابت مندوب وقريب فاروق من إيران لينقل لمليكه حقيقة الأوضاع هناك وبالذات الحالة الصحية المتردية للإمبراطورة فوزية صاح فاروق: «كنت عارف إنه زواج فاشل بعيدا عن الفوارق المذهبية، فالكل مسلمون».. ووصلت فوزية في حالة هزال قصوى إلي مطار النزهة ليكون في استقبالها شقيقها الملك الساخط علي إهمال البلاط في طهران لشقيقته سليلة القصور، لكنه لم يغفل عن إشباع هوايته في جمع العملات الأجنبية حيث طلب من عادل ثابت أن يشترى له من وفد الشرف الإيرانى المرافق للإمبراطورة بعض العملات الإيرانية علي أنها له، فأنكر رئيس الوفد حمله لأية عملات فأمر فاروق بنقل بوفيه الاحتفال بعودة فوزية الذي يضم مائة مدعو إلي أرض حديقة أنطونيادس بالإسكندرية، وفي نفس الوقت قام الشماشرجية بتفتيش أمتعة الإيرانيين الموجودة داخل القصر بهمة منقطعة النظير لتجريدها من أية عمولات أنكرها أصحابها!.. وفي قصر المرج، وبعد بضعة أيام من حادث قصر عابدين الذي حاصرته دبابات الإنجليز يوم 4 فبراير، أقيمت مأدبة كبري في 21 فبراير 1942 تكريما للإمبراطورة فوزية، وضيفتها الأميرة أشرف بهلوي توءم الشاه، وكانت المرة الأولي التى يخرج فيها الملك للجمهور منذ اعتكافه بعد حادث عابدين، وكانت أشرف السمراء نحيلة القوام، الممتلئة نشاطا ومرحا واندفاعا علي نقيض شقيقها ذي الوجه المكتئب قد ملأت الأجواء صخباً، خاصة في مأدبة الشاي المقامة علي ظهر اليخت الملكى «قاصد كريم» لتقرر أن يكون فاروق هدفا لسهامها، فلم يمض وقت طويل حتي كان الاثنان يتبادلان النكات، ويلكزان ضلوع بعضهما، ورغم اندماج فاروق معها، فلم تكن أشرف جديرة بمنافسة جمال الملكة فريدة، ولكنها كانت تستفزها بوضوح وخبث، ونظرا لوجودها كضيفة مكرمة، اضطرت فريدة للقيام بدور المتفرج إلي أن بلغت الأمور ذروتها، بعدما دبرت أشرف إغلاق إحدي المقصورات العليا عليها مع فاروق، ليسمع الموجودون ذيول الضحكات من خلف الباب، بينما فريدة تحتسى فنجان الشاي بالخارج، لتفضحها أعصابها المتوترة من عنف اهتزاز الفنجان في الطبق.
ومع طول غياب فوزية عن عرشها في إيران ورغبة الإمبراطور في عودة زوجته لخدرها الشرعى، وعدم تلبيتها تعجله في رسائله المتوالية أدرك أنها تريد الانفصال فقبل قرارها بأدب وسلوك إمبراطورى رفيع لا عيب فيه، وبعد طلاقها رسميا فى عام 1948 تزوجت من الوجيه إسماعيل شريف، وقد انتهز فاروق أجواء الطلاق كى يقوم بالمثل مع فريدة أم البنات، وبهذا أنهى زواجه في نفس العام الذي طلقت فيه شقيقته بعدما كانت قد أنجبت للشاه ابنته الأميرة شاهيناز التي عرفته فيما بعد بزوجته الثالثة صديقتها «فرح ديبا» من بعد طلاقه الثانى ل«ثريا اصفنديارى» التي لم تنجب له الأبناء.
أتت فرح لتنجب علي الفور أربعة وهم رضا في 1960، وفرحناز في 1963، وعلى في 1966، وليلى في 1970 حيث تقول فرح عن قدوم رضا: «جمع ميلاده بينى وبين الشاه في رباط خالد، حيث تغيَّر الشاه مع مقدمه تماما ليصبح حنونا عطوفا طيلة الوقت، ولم يكن السونار قد اكتشف وقتها في عام 1960 لمعرفة نوع الجنين، وإن قيل لي إننى أنجبت الولد بفضل مساعدة نظام غذائى وصفه لي طبيب إيرانى يعتمد علي البرتقال!.. وكانت الملكة الأم «تاج الملوك» أكثر أفراد العائلة سعادة بإنجابي الحفيد وريث العرش، وكان معروفا عنها أنها صعبة المراس، وهى التي أنجبت أربعة أولاد: الشقيقة الكبرى شمس في 1917 ومحمد زوجى وشقيقته التوأم أشرف في 1919 وأخيرا «علىّ» الذى توفي في حادث طائرة عام 54، وكانت علي علاقة متوترة دوماً مع الإمبراطورة ثريا التي لم تكن تستجيب لطلباتها وأوامرها المتسلطة مما كان يسبب حرجاً بالغا للشاه.. وتصف فرح كيفية اجتيازها بنجاح كشف الهيئة الذى تعرضت له أمام «تاج الملوك» بعد طلب الشاه يدها صراحة: «أخذنى الملك إلي والدته في الطابق الأعلي من القصر وكانت تجلس بمفردها فوق أريكة ضخمة فطلبت مني الجلوس إلي جوارها فتعمدت أن أجلس إلي مقعد أكثر انخفاضا من مجلسها علي أن يكون أكثر قربا منها، وطوال الحديث كنت أركز علي إظهار احترامى البالغ لها، وعندما سألتني عن طفولتى وهواياتى ومدى معلوماتى عن الشاه أجبتها بما يثلج صدرها خاصة عندما رددت أمامها أسماء أشقاء الشاه جميعاً بتواريخ ميلادهم حتى الذين جاءوا من أمهات أخريات، وكنت قد عانيت كثيرا في حفظ اسم شقيقته «همدم السلطنة».. وبعد ارتدائى لثوب زفافى الذي قام بتصميمه كريستيان ديور وطرزه باللؤلؤ والماس الحقيقي وشغل أطرافه بفراء الفيزون ليشاع بأن تكلفته بلغت ما يعادل مجموع ريع بئر بترول علي مدى ربع قرن.. بعدها انحنيت أمام تاج الملوك لتضع فوق رأسى التاج الملكي المرصع بالماس والزمرد والمجوهرات والذى نادرا ما يغادر خزينة البنك المركزى، ويحتاج في خروجه إلي عشرات التوقيعات التى تتضمن وزير المالية نفسه، ولحظة أن وضع التاج فوق رأسى وكان وزنه حوالي كيلوجرامين شعرت بوطأته الثقيلة علي الجانبين.. الوزن والمسئولية.. وقد أهدتنى كل من أمى وحماتى مصحفا رفعتاه فوق رأسى لأمر من تحته لتطلق بعدها أسراب الحمام الأبيض، وتماشياً مع العادات والتقاليد الإيرانية تم وضع كل الرموز التي تجلب السعادة للزواج فوق إحدى السجاجيد مثل المرآة والشموع لجلب الضوء والنور، والخبز لجلب الوفرة والرخاء، والبخور لمنع الحسد، والسكر النبات لتكون الحياة حلوة، وقبل كل شيء المصحف بآيات الذكر الحكيم، وقام الإمام جمعة بترديد عبارات عقد القران، ثم سألني مباشرة «هل أقبل الشاه زوجا لى؟» وعلى عكس ما هو معتاد من عروس إيران حيث يجب علي الإمام ترديد السؤال ثلاث مرات فإنني أعلنت موافقتى منذ المرة الأولي مما أثار الهمسات من حولى، ورغم سعادتى بمشاهدة صور الزفاف الرائع فإننى شعرت بالإحباط حيث لم يمكننى ذيل الفستان من الجلوس على مقعد يماثل مقعد الشاه الأمر الذى جعلني أبدو أطول قليلا منه».
وتصف فرح حياتها داخل القصر حيث تستيقظ مبكرا ويقضي الشاه فترة الإفطار في قراءة الصحف الإيرانية والأجنبية، ثم يذهب إلي مكتبه في قصر المرمر وبعد الغداء في الثانية تماما إلي العمل مرة أخرى «وكنا نقضي مساء الاثنين من كل أسبوع مع العائلة، فمنذ حضورى إلى القصر حاولت جاهدة الحفاظ علي العلاقات الطيبة بين الشاه وإخوته وشقيقاته، أما أمسيات الجمعة فمع الأصدقاء، وفي اللحظات النادرة التي نتمكن أن نكون بمفردنا في المساء كنا نشاهد بعض الأفلام، فقد كان الشاه يحب الأفلام المرحة مثل أفلام «شارلي شابلن» و«لوريل وهاردي» و«جيرى لويس» و«بوب هوب».. وفي منتصف الستينيات أى بعد مرور خمس سنوات علي زواجنا شعرت بأننى أخيرا أجنى ثمار المجهودات التي كنت أبذلها لصالح الشعب الإيرانى.. في تلك الفترة قرر الشاه ورئيس الوزراء أن أكون الوصية علي العرش، وهذا يعنى أنه إذا مات الشاه، أتولي حكم إيران حتي يبلغ «رضا» ولي العهد العشرين من عمره، ولم أفكر أبدا، ولو للحظة واحدة أن ذلك قد يحدث لى.. كنت أبلغ من العمر وقتها ثمانية وعشرين عاما، ولم يكن الشاه رجلا مسنا، فهو مازال في السادسة والأربعين، وكنت حاملا للمرة الثالثة في تلك الفترة، وكنا على ثقة بمستقبل البلاد، ولم يكن للشاه أعداء محددون، وكانت العناية الإلهية دائما تحفظه ممن يريدون اغتياله، ولذلك فقد اعتبرت هذا القرار بمثابة الوسام علي صدرى، مدركة الأهمية الرمزية لمثل هذا التصرف، حيث إن الرجل الذى حثَ الدولة علي إعطاء المرأة حقها في التصويت، قد منحها أيضا الحق في حكم إيران، وكانت مبادرة رائعة من رئيس دولة إسلامية، إلا أننى اكتشفت المعارضة الشديدة من أعضاء البرلمان للقرار الذى يعد ثوريا ودخيلا علي عاداتنا الإسلامية، وبعد أعوام قليلة قام الشاه بما هو أبعد وأخطر من ذلك حينما قرر أن يتوجنى في الوقت الذي يتوج فيه، وهذا لم يحدث من قبل، ولم تنل هذا الشرف أى ملكة أخرى على طول التاريخ الفارسى.
وتعيش فرح ديبا في الحلم الوردى الجميل علي مدي عشرين عاما تسافر فيها بصحبة الشاه في زيارات عديدة للدول الرأسمالية والشيوعية، وتكتب عن زيارتها الأولى للاتحاد السوفيتى ومدى ما شعرت به من إحباط في موسكو: «كانت وجوه الناس التي رأيتها مليئة بتعبيرات الحزن والاكتئاب الذى لم أشاهده في أى مكان آخر بالعالم، كانت الدولة مليئة بالمنشآت الجديدة وهناك العديد من الشجيرات التي تمت زراعتها ولكنها لا تعكس جمالا وإنما طبقات من الجمود، حيث يتصرف البشر من حولها كأنهم أجهزة آلية، وكانت حركتنا محدودة داخل الكرملين مكان ضيافتنا، وكنا على ثقة بأنهم يضعون أجهزة التصنت في كل مكان، وأذكر أننى في إحدى الزيارات تأكدت من تسجيل محادثاتنا وذلك بعدما أخبرت أحد الأشخاص بأن هذا البلد يدهشنى لأنه يتمتع بالقصور الرائعة ولكنهم لا يفكرون في وضع الأثاث الراقي الجدير بها، وفوجئت في اليوم التالي أثناء حديثى مع إحدى السوفيتيات بأنها تخبرنى بأنه لسوء الحظ لا يتوافر لديهم مصممو الديكور المهرة، ولكنهم حريصون علي نظافة المكان والأشياء الموجودة بداخله، وكانت نظرة عينيها لائمة للغاية مما أشعرنى بالحرج البالغ».. وتعتقد فرح أن جهازى البوليس والسافاك كانا من الأسباب الرئيسية لسقوط الشاه وانهيار إمبراطورية بهلوي حيث قاما بالعديد من التجاوزات وتضرب عدة أمثال منها: «تصرف البوليس برعونة عندما قرر أحد الرسامين الإيرانيين المشهورين الذي كان يعيش في باريس، أن يقيم معرضا فى طهران، وكما هو معتاد للفنانين في الغرب كان شعره طويلا مرسلا، ولهذا السبب فقد تم استجوابه بأحد شوارع طهران وحلق له رأسه بالقوة، وعندما علمت بهذا الأمر تحدثت إلي الشاه الذي أمر بإقالة رئيس جهاز البوليس بسبب هذا التصرف الأحمق»!!.... وتعود فرح لتجد نفسها في النهاية بلا تاج وخارج بلادها في المنفى البعيد، حيث ترفض دول العالم استقبالها بعد أن كانت ترحب بها حاملة إلي موكبها باقات الورد صادحة بالأناشيد.. وفي الليلة الأخيرة قبل مغادرتها للقصر ورغم الأحكام العرفية إلا أن الثوار كانوا ينجحون في مهاجمة الجنود وتسلق أسطح القصر ليسمعهم سكانه وهم يصيحون «الله أكبر الله أكبر الموت للشاه» وكان رضا الابن وقتها في الولايات المتحدة يتدرب على الطيران الحربي ولم يبلغ السابعة عشرة: «كان يحدثنا يوميا بالتليفون قلقا بسبب الأخبار التى ينقلها التليفزيون الأمريكى، وقد حاولت إقناعه بمواجهة الموقف بشجاعة وبألا يفقد الأمل رغم أننى كنت مقتنعة بأنها النهاية، فقد توقف دولاب العمل في كل مكان، وأغلقت المصانع ومعامل تكرير البترول، وكانت المقاهى والمطاعم خاوية، ورياح التحريض والكراهية تمسك بذيول الكلمات والإشارات.. وقضيت الصباح في جمع بعض الأشياء عشوائيا مثل الصور العائلية والألبومات، وأتذكر أننى ركزت انتباهى وقتها بلا إرادة علي حذاء كنت أفضله في المشى فبحثت عنه ووضعته في الحقيبة مستشعرة بالاطمئنان، وبعدها عندما أفرغت الحقيبة في المنفي سخرت من نفسي قائلة يا إلهي لماذا لم أفكر في أننى سأجد مثله في أى بلد آخر، وكنت حريصة على دعوة التليفزيون للحضور وتصوير فيلم عن القصر من الداخل ليكون شاهدًا علي أن ممتلكاتنا الشخصية لم تغادر الوطن.. ولأن ابنى رضا كان يعيش في جناح مستقل في القصر ظل مغلقا منذ سفره قبل عدة أشهر وكان فيه ملابس طفولته التي حرصت علي الاحتفاظ بها مع أشرطته المسجل عليها كلماته وخطواته الأولي فلم يسعفن الذهن لآخذها معي عند الرحيل..... وصعدت إلي جوار الملك في الطائرة البوينج 707 التي قادها بنفسه فربما أراد أن يتحكم ولو في الرحلة التى ستأخذنا بعيدا عن إيران وشعبه إلى الأبد.. وكانت الرحلة متجهة إلي مدينة أسوان جنوب مصر بدعوة كريمة من السادات»..
ومن طيران الأب لتحليق الابن «رضا» الذى يعتبره بعض الإيرانيين في الداخل «شاهنشاه» إيران المقبل، وكان قد تخرج طيارا في عام 2011 بالولايات المتحدة ليدرس بعدها العلوم السياسية مؤمنا بأنه سيعود يوما إلى بلاده، كاشفا عن عمق علاقته مع الداخل الإيرانى في حوار أجرته معه إحدي الصحف الكبرى: «الشعب في بلدي يريد السلام والبقاء علي علاقات جيدة مع جيرانه، والحل الوحيد لاستقرار المنطقة هو تغيير النظام الذى أعطى مجالا للتطرف الشيعى والسنى، وأبدا لم تخرج إيران في السابق عن حدودها.. كانت سياستنا أيام والدي قائمة علي دعم الدول الأخرى في المنطقة، وليس إثارة الثورات أو الحركات كما حصل مع الحوثيين ضد السعودية، إنها جزء من اللعبة الكبري التي يلعبها النظام القائم علي تغذية العداوات تماما مثلما يدعم بشار الأسد، وإن أكثر من نصف الأموال التى أعيدت إلي إيران بسبب المفاوضات حول برنامجها النووي تم إرسالها إلي سوريا بدلا من صرفها علي متطلبات الشعب الإيرانى، تماما كما يفعل النظام في العراق واليمن، كل هذا علي حساب المصلحة القومية الإيرانية، أى مصلحة الشعب الإيرانى.. في زمن الشاه كان لإيران دور مميز في المنطقة بتوجهاتها المتوازنة، وكانت لها علاقات جيدة تقريبا مع كل العالم بما فيه جيراننا الصين، والنظام السوفيتى، وبالذات العالم العربي.. كان التفكير مختلفا في زمن الرئيس أنور السادات.. كان عالما مختلفا تماما.. وفجأة أتى الخمينى إلي إيران وصار لدينا ثورة إسلامية، واستيقظ الناس في اليوم التالي يتساءلون عما حدث؟!.. وعندما بدأوا يحسبون العواقب كان الوقت قد تأخر جدا.. وهكذا تغيَّر وجه الشرق الأوسط، وبدأ الانهيار في لبنان، وغزا السوفييت أفغانستان نتيجة لما حدث في إيران.. وكل ما تبقي تاريخ.. الشعب الإيرانى يريد أن يعيش حياته.. لا يريد التورط في صراعات إقليمية، والوضع في إيران يمكن أن يتغيَّر عبر صفقة كبري يجريها الغرب مع الروس، بمعني إعطاء الروس ما يرغبون فيه، وعدم دفع الحلف الأطلسى إلي بابهم، وإعطائهم منفذًا علي المياه الدافئة، عندها تتخلي روسيا عن دمشق وطهران، وهذا باعتقادى الصفقة المفتاح لأنه علي المدى الطويل فإن المصالح الروسية مع العالم الغربي، وعلي المدى القصير فإن روسيا تستغل الوضع الحالي، لكن الرئيس فلاديمير بوتين كالجالس الذى يقول للغرب: اعرض عليّ صفقة لا أستطيع رفضها»!

الزند.. للعدل
الزند.. وما أدراك ما الزند.. أسد وفي الحروب كاسر ولثورة 30 يونيه انتصار ساحق، ومتطلبات ساحة الوغى أمامه علي رأسها هموم 14 ألف قاض، وعدالة ناجزة من بعد تصحيح مسارها، واستقلال للسلطة القضائية، وحل لأزمة النيابة الإدارية، واسترداد للأموال المهربة، وإعادة الحق للقضاة في بدل علاجهم، وإنشاء للشرطة القضائية، ونظرة حيادية لتوريث المنصّة، وتطهير العدل من الإخوان.. وتثبيت لثوابت القضاء: الهيبة والوقار والاحترام.. ومذبحة للإرهاب.. واتقاء عذاب يوم الحساب الذى قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم: «إن القاضي العادل ليجاء به يوم القيامة فيلقي من شدة الحساب ما يتمنى ألا يكون قد قضي بين اثنين في تمرة قط»، أما إذا أصبح القاضي وزيرا فعن عائشة رضي الله عنها قول النبى: «من ولاّه الله عز وجلّ من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرًا جعل له وزير صِدق، فإن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه»..
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.