فى خضم تسارع الأحداث بالشرق الأوسط وتعرضه لمخاطر وتهديدات دولية وإقليمية ومحلية تستهدف تفتيته برزت الى السطح فكرة إحياء استراتيجية تحقيق التكامل العسكرى العربى من خلال تكوين قوة عربية موحدة تكون نواة لمنظومة التكامل العسكرى العربى وصولاً إلى إنجاز الأمن القومى العربى بوضع استراتيجية قوية لتحقيقه وفى هذا السياق قرأت للسفير محمد أنيس سالم مقالاً عن ضرورات التمهل فى إنشاء قوات التدخل السريع وقد تضمن تجارب حلف الناتو والاتحاد الافريقى ورؤيته لإنشاء قوة عربية مشتركة، ويمكن بلورة رأيه فيها على النحو الآتى : أولاً : ان التكامل العسكرى العربى ينطلق من مفهوم ان الأهداف القومية للأمة العربية هى محصلة الأهداف الوطنية المشتركة لمجموع دولها والتى تتضمن الدعائم الأساسية التى يبنى عليها الأمن الوطنى لهذه الدول وصولاً لاستقرار ورخاء شعوبها. ثانياً : بانتهاء الحرب العالمية الثانية فى مايو عام 1945 عمدت الدول الغربية المنتصرة إلى إقامة حلف الأطلنطى (الناتو عام 1949)، ورد عليها الاتحاد السوفيتى بإنشاء حلف وارسو بعدها بأربع سنوات، ومن ثم يمكن الزعم ان تكوين الحلفين بواسطة القوتين العظميين قد تبلور «كأسبقية أولى وعاجلة» لوضع أسس وقواعد الاستراتيجية القومية بعناصرها الخمسة التى ستتبع لمواجهة حرب باردة لاحت بوادرها فى أثناء انعقاد مؤتمر «يالتا» بحضور الرئيس روزفلت يوم 5 فبراير عام 1945 لوضع الخطوط العريضة لشكل العالم بعد انتهاء الحرب ومن ثم لم يتمهل كلا الطرفين لإنشاء الحلفين. ثالثاً : بالرغم من توقيع معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى وملحقها العسكرى بين دول الجامعة العربية بتاريخ 13 ابريل عام 1950 فإنها لم توضع موضع التنفيذ الفعلى إلا تحت ظروف ضاغطة كان أولاها إرسال قوات مصرية إلى ميناء اللاذقية عام 1957 لدعم الموقف السورى ضد ضغوط وتهديدات العراق وتركيا، وتشكيل قيادة عربية موحدة فى مؤتمر القمة العربى الذى عقد بالاسكندرية فى يناير 1964 لتحويل مياه نهر الأردن، ومشاركة الجزائر وليبيا والعراق والمغرب والسودان والكويت وتونس بجزء من قواتها المسلحة فى حرب أكتوبر عام 1973 على الجبهة المصرية، والعراقوالأردن والمغرب على الجبهة السورية، ورد مصر جميل الكويت بتخصيص فرقة مشاه ميكانيكية وفرقة مدرعة قوامها 35 ألف ضابط وجندى للاشتراك فى حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقى فى فبراير عام 1991. رابعاً : يقوم الاقتصاد العالمى أساساً على وجود الموارد الطبيعية فى العالم واستخدامها لمصلحة البشرية، ومن ثم نجد أن معظم الدول تسعى للحصول على هذه الموارد، سواء تلك التى بحوزتها أو التى لدى الدول الأخري، ونتيجة التقدم العلمى والتكنولوجى زادت الحاجة إلى الطاقة، ومازال البترول هو مصدر الطاقة الرئيسي، وباعتبار أن الشرق الأوسط يختزن تحت أراضيه نحو 62% من احتياطى النفط العالمى الثابت وجوده فنياً فإن الدول الكبرى لا تترك الفرصة لدول هذه المنطقة للنهوض سياسياً والاكتفاء الذاتى اقتصاديا بل تستنزف دخلها القومى أولاً بأول بالحروب المحلية أو القلاقل الداخلية وصولاً إلى عدم استقرارها حتى تظل شديدة الاعتماد على الدول الكبرى لأطول مدة ممكنة، ومن ثم يجب أن نعترف بشجاعة الرجال أن الأمة العربية تتعرض فى الوقت الراهن لهجمة شرسة تستهدف استقرارها وأمنها القومى من خلال استخدام خطط حروب الجيل الرابع التى تعتمد أساساً على أبناء الدول ذاتها لتدمير جبهتها الداخلية وإنهاكها وصولا لإسقاطها، وبالتالى فإن المطالبة بتشكيل قوة عربية موحدة للتدخل السريع يتم وضع أسس وقواعد استخدامها استراتيجياً وتعميرياً وتكتيكياً لمصلحة المجموع هو أمر فائق الأهمية لا يحتمل التأجيل أو التسويف. اللواء د. إبراهيم شكيب