فى السابع من يناير الماضى، وقع الهجوم الإرهابى على مقر صحيفة شارلى إبدو، والذى استهدف أرواح الصحفيين، وأوقع أثني عشر قتيلاً، من بينهم أثنان من المسلمين هما: الشرطى "أحمد المرابط"، و"مصطفى أوراد"؛ المدقق اللغوى بالصحيفة ذاتها، وقد جاءت معظم التفسيرات كما ردد البعض كونها انتقاماً لكاريكاتير يمس خليفة "داعش" أبو بكر البغدادي، أو اعتراضاً على الرسومات المسيئة للرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وبالرغم من أن هذا الهجوم يعتبر أعنف هجوم تتعرض له فرنسا منذ مجزرة باريس عام 1961، أثناء ثورة التحرير الجزائرية، إلا إنه لمن العجائب أن يكون بيننا من يصدق أن من قام بهذا الاعتداء الإرهابى قام به انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ أن هذه العملية ليست لها علاقة بالإسلام ولا بالمسلمين، فهى عملية فى واقع الأمر تخفي من الحقيقة أكثر مما تظهر. فهل هى مصادفة أن يحدث كل هذا خلال شهر من اعتراف فرنسا بدولة فلسطين؟! إذ أن البرلمان الفرنسي صوت فى ديسمبر 2014 بأكثرية 339 من أصل 506 أصوات على مشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطين بغية التوصل إلى تسوية نهائية للصراع العربى/الإسرائيلى، بالرغم من الضغوط التى مُرست من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي؛ بنيامين نتنياهو، وتحذيره لفرنسا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بقوله: "إن ما تقوم به فرنسا خطأ فادحاً وغير مسئول". كما صرح السفير الإسرائيلي في فرنسا "يوسي جال" أمام "جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية" يوم الخميس 27 نوفمبر 2014 – أى قبل التصويت ببضعة أيام - أن تصويت النواب الفرنسيين على مشروع قرار حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد "يفاقم الوضع ويؤدي إلى أعمال عنف في فرنسا". ومن هنا نجد علامات استفهام كثيرة، فلحساب من يعمل من قاموا بهذه العملية الإرهابية؟ وهل يمكن القول أن ما حدث فى فرنسا هو صناعة صهيونية بأيدى إرهابية؟ ولماذا حاول نتنياهو استغلال الأزمة السياسية خلال مشاركته فى المسيرة المنددة بالإرهاب فى فرنسا، للخروج بفائدة أخرى، وهى دعوته لليهود الفرنسيين للهجرة إلى بلادة. على أية حال، بالرغم من تضامنى مع التعبئة الدولية للتصدى للمنظمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي، إلا أننى حزين أن يقف نتنياهو وسط المدافعين عن الحق، وكلنا يعلم أن يد الدولة الصهيونية ما زالت ملوثة بدماء الفلسطينيين. فكيف ننسى مثلاً "مذبحة الحرم الإبراهيمى" التى حدثت بتخطيط منذ أكثر من عشرين عاماً، ففى الساعة الخامسة والثلث من فجر يوم الجمعة الموافق 15 رمضان 1414ه (1994)، وأثناء قيام أكثر من 700 مصلى بالسجود فتح "باروخ جولدشتاين"، ومعاونوه نيران مدافعهم على المصليين من الخلف، وقتل 29 مصلياً وجرح 150 آخرون من الأبرياء وهم صائمون راكعون ساجدون فى هذا الشهر الكريم، فلقد كان هذا الهجوم الإرهابى الآثم يعد حقاً أكثر من كونه جريمة، إذ تم تدنيس حرمة الأماكن المقدسة، بالإضافة إلى تمزيق المصاحف، والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم فى أحداث مماثلة دون تحرك دولى جاد وفعال. وأخيراً، على الغرب أن يدرك أن الإنسان هو الإنسان فى كل مكان، يجب تقديس حرمته ودمه، ولا يمكن أن نعامله إلا كغاية فى ذاته، وإذا ما استطعنا أن نجعل هذا هو الأساس المشترك، فإننى اعتقد أن كل مشاكل العالم يمكن أن يوجد لها حلول. [email protected] لمزيد من مقالات حازم محفوظ