مما لا شك فيه أن الأديان السماوية تحض على التعايش السلمى للبشر وتهدف إلى توفير نوع من الأمن والطمأنينة بين الناس وإحقاق الحق والحكم بالعدل، وهذا يؤدى إلى استقرار الحياة وإرساء دعائم العدل فى الأرض حتى يتسنى للبشر تأدية رسالتهم على الأرض. ولا تختلف فى هذا اليهودية عن المسيحية أو عن الإسلام، فنحن نجد فى العهد القديم الذى يعد الكتاب الأساسى لليهودية (13)(لا تغضب قريبك ولا تسلب ولا تبت أجرة أجير عندك إلى الغد) (14)(لا تشتم الأصم وأمام العمى لا تجعل معثرة بل إخش إلهك أنا الرب) (15) (لا ترتكبوا جوراً فى القضاء لا تأخذوا بوجه مسكين ولا تحترم وجه كبير، بالعدل تحكم لقريبك) (16) (لا تسع فى الوشاية بين شعبك لا تقف على دم قريبك أنا الرب) (17) (لا تبغض أخاك فى قلبك، إنذاراً تنذر صاحبك ولا تحمل لأجل خطيئة) (18) (لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك أنا الرب). (سفر اللاويين 19) وفى "سفر الخروج" نقرأ (9) (ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب لأنكم كنتكم غرباء فى أرض مصر) (سفر الخروج 23). وإذا ما انتقلنا إلى النصرانية نجد فى "إنجيل يوحنا" الحض على المحبة ثمة أساسية عنده ففى الآية (13 : 34) يقول: (وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضا كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا) (13 : 15) (ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه) (14 : 15) (أنتم أحبائى إن فعلتم ما أوصيكم به). وفى "إنجيل متى" نجد (وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركو لاعنيكم أحسنوا إلى مُبغضيكم وصلوا لإجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) (الإصحاح الخامس أية 44). ونجد أيضاً (إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم) (الإصحاح السادس أية 16). وكلنا يعرف قول السيد المسيح عليه السلام "إذا لطمك أخاك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر). كما نجد فى آيات الكتاب المقدس (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وللناس المسرّة). كل هذه قيم إنسانية رفيعة تحض على التعايش السلمى والصفح عن الناس من أجل أن يسود السلام والمحبة على الأرض. وإذا انتقلنا إلى الإسلام فإننا نجده أيضاً يحض على التعايش والتجاور والتسامح وقبول الآخر حتى وإن اختلفت ملة ودين هذا الآخر عن الإسلام بل حتى لو كان كافراً أو لا دين له، ويجعل الله الفصل فى الاختلاف بين الأديان له وحده لا لأحد غيره؛ إذ يقول: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد" (الحج أية 17). كما أباح طعام أهل الكتاب للمسلمين، وطعام المسلمين لأهل الكتاب، وأجاز النكاح من المحصنات من أهل الكتاب؛ إذ يقول: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة أية 5).