ذات يوم، اتصلت بأحد أصدقائى الأعزاء – بعد مدة لم أتصل به خلالها - ولم يكد الاتصال يتم، حتى فوجئت بصوته يأتينى باكيا ومتحشرجا، انزعجت، وقلت لنفسى: (اللهم اجعله خيرا). وبسبب بكائه وتقطع كلماته، لم أفهم ما يقوله. وانتظرت قليلا حتى هدأ بعض الشيء، ثم طلبت منه أن يعيد علىّ ما قاله بهدوء، فقال وصوته ملىء ببقايا الدموع: وكيف أخبرك بما حدث لى؟! لن تصدق.. سألته: أتعبت قلبى، ماذا حدث؟ قل..لا توترنى.. سكت لحظات، ثم قال وهو يعاود البكاء ثانية: لقد قطع (خنصر) يدى اليمنى- والخنصر كما تعرفون، هو أصغر أصابع كف اليد- وأنا حزين جدا، ولا أعرف كيف يمكن أن أعيش أو أعمل.. سكت قليلا، ثم قلت له: أعرف أنك مؤمن بالله ومسلّم لقضائه سبحانه وتعالى، وبإذن الله ستعيش وتعمل، وسيعوضك الله خيرا كثيرا عن هذا الإصبع الصغير، بشرط ..قاطعنى بسرعة: أى شرط؟ قلت: ألا تيأس من محبة الله ورحمته، وأن تنسى هذا الإصبع الصغير الذى فقدته، وتفكر فى الاستفادة القصوى من الأصابع الأربعة التى منحها الله لك.. قال: سأفعل بإذن الله.. ولكننى أشعر بحزن كبير يملأ كل مشاعرى، وكأننى فقدت ذراعى كله.. ولما بدأ فى موجة بكاء جديدة، قلت له: انتظر..لا تبك حتى تجيب عن سؤال مهم...قال وما هو؟ قلت: هل سمعت عن فوجيسيك؟ سألنى: لم أسمع عنه من قبل، قلت: هو إنسان استرالى بسيط اسمه ( نيكولاس فوجيسيك)، ولد بدون يدين ولا رجلين، فكان مجرد بطن وصدر ورأس فقط. وتحدى نفسه وظروفه، وراح يكافح بمساعدة والديه وأحبائه، حتى وصل إلى الجامعة، وحصل على ثلاث شهادات فى الاقتصاد وإدارة الأعمال. وهو اليوم رئيس لأكبر شركتين فى استراليا، ويرأس واحدة من كبرى المؤسسات الأهلية الراعية للأقوياء الصابرين أصحاب الإعاقات المختلفة.. ويدعم كثيرا من المؤسسات الخيرية فى العالم، وزار أكثر من 25 دولة ليشجع كل من يكاد ييأس – مثلك- لمجرد فقد إصبعه الخنصر؟! قال صديقى: الحمد لله أشكرك كثيرا لأننى كنت بحاجة لسماع هذه القصة، ليس لأنسى خنصرى المقطوع، ولكن لأشكر الله الذى أعطانى الإبهام والسبابة والوسطى والبنصر.