وهكذا أيها السادة خرج فرعون وهامان من مقصلة القضاء أبرياء سالمين غانمين.. ولا أثر لنقطة واحدة من دم الشهداء على ثوبهما الأبيض الناصع! نحن لا نعلق على أحكام القضاء.. فهذا لا يجوز تشريعا ولا قانونا.. ولكن من حقنا أن ننصب »محاكم سياسية«، وأن نحاكم الساسة الذين قادوا مصر إلى عصر الظلمات والتخلف والفقر والجوع والهوان.. لفساد طال واستطال حتى تجاوز طوله برج القاهرة نفسه.. وحتى أصبح الفساد فى بر مصر كله فى عهد فرعون وهامان وبطانتهما مقننا بالقلم والورقة والمسطرة على كل المصريين طوال ثلاثين عاما بحالها.. يا خبر! وهو ما نطق به وعقب به القاضى نفسه فى آخر حكمه ببراءة فرعون وهامان! حكما يإدانة عصر فاسد بحاله من رأسه إلى أخمص قدميه.. جاوز فيه الظالمون المدى.. وأصبح فيه الفساد مقننا.. فسد.. يفسد.. فهو فاسد.. فحقت عليهم اللعنة إلى يوم الدين.. لكى يحاسبهم العزيز الجبار المتجبر وحده.. ويا له من حساب! وإذا كان من قتل الشهداء من الشباب الذين ضحوا بحياتهم من أجل ثورتهم البيضاء.. لم يعلن القاضى اسمه بعد.. فإن حق الشهداء عند ربهم محفوظ ومصان.. فهم الآن من حول العرش أحياء يرزقون.. وإن ربك بالمرصاد.. وهو وحده المنتقم الجبار.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.. .................. .................. وإذا نحن خرجنا قليلا بزورقنا عن دائرة ما نحن فيه الآن.. وتركنا مقدمة زورقنا تنتقل من نهر النيل.. إلى نهرى دجلة والفرات فى بلاد ما بين الرافدين التى اسمها الآن العراق، والتى شهدت حضارة عظيمة كانت تضارع وتضاهى الحضارة المصرية.. اسمها حضارة بابل وآشور التى سبقت حضارة مصر زمنا.. وإن سبقتها حضارة مصر سطوعا وتأثيرا وعجبا.. حتى يومنا هذا.. وكأننى أسمع الآن حامورابى العظيم فيلسوف ما بين النهرين يقول لنا فى مزاميره الشهيرة: لقد ولدنا أحرارا وشربنا من ماء دجلة والفرات حبا وعلما ونورا.. وسيظل قدرنا أن من شرب من هذين النهرين.. كمن أمسك بقرص الشمس بين يديه! يا سبحان الله.. لقد تحول بلد حامورابى ونبوخد نصر والملكة زنوبيا وهارون الرشيد والإمام ابن حنبل.. إلى بلد يغزوه الرعاع.. ويحكمون أرضه ويستحلون نساءه.. ويسبون أطفاله.. ويبيعون فتياته فى سوق الرقيق من قبائل همج آخر الزمان التى اسمها داعش! هؤلاء هم حقا وصدقا ياجوج وماجوج هذا الزمان.. لم يحدوا آمالهم إلا آخر ما بقى من جيش العراق الأجاويد الأشاوس الذين دربهم صدام حسين.. وصنع منهم جيشا لا يقهر.. حتى جاء الغزو الأمريكى ليفرق شملهم ويمتص دماءهم.. فأصبحوا مثل نمل سيدنا سليمان الذين قالت لهم نملة ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده.. لتدخل داعش وغيرها ومن ورائها محرك الانقلابات ومن يعيدون رسم خريطة بلادنا فى البنتاجون الأمريكى! ولكن المفاجأة الكبرى التى أعلنها عمنا الطلبانى رئيس وزراء العراق الجديد أنه لم يعد هناك جيش للعراق.. والذى بقى منه تسلل إليه الفساد مثل السوس ينخر فى عظامه.. حتى إن العراق ظل سنوات وسنوات منذ الغزو الأمريكى له يصرف رواتب ل 05 ألف جندى عراقى أكرر 05 ألف جندى عراقى على الورق فقط.. وهم مجرد جنود فضائيون نزلوا من الفضاء.. وهو نفس تعبير رئيس وزراء العراق.. وهذه الرواتب الهائلة تدخل جيوب رؤسائهم.. ولا أحد يحارب.. ولا أحد يدافع عن التراب العراقى لتنتصر »داعش« التى وجدت فى غزو كركوك والموصل وبلاد الأكراد فى شمال العراق مجرد نزهة أو نسمة ساعة العصارى.. و »صوتى ياللى مانتش غرمانة«.. كما كانت تصيح النسوة فى الأحياء الشعبية.. وآسف جدا لهذا التعبير العشوائى! يعنى موت وخراب ديار وفساد للركب.. 05 ألف عسكرى عراقى قابعون فى بيوتهم ولا يحاربون ولا يدافعون عن تراب بلادهم ورواتبهم يتم صرفها منذ سنوات.. لا أحد يعرف لها عددا تدخل فى جيوب الأشاوس الكبار! الحكاية لم تكتمل أركانها بعد.. لنقرأ معا هذا الخبر الذى حمله لنا هذا المخبول الذى اسمه المحمول نقلا عن تليفزيون ال »بى.بى.سى« من لندن.. والذى استضاف جنديا عراقيا.. قال إنه كان يترك راتبه كله لقائده من قبيل التبرع يا سلام حتى لا يذهب هو إلى الحرب ويجلس فى بيته مع زوجته وأولاده! التعليق من عندى: سلام مربع للأشاوس العرب فى كل مكان وكل زمان! .................... .................... الخبر الثانى المحزن الذى أطار النوم من عينى فى الصباح.. هو الآخر نقله المحمول أيضا من محطة ال »بى.بى.سى« البريطانية من لندن.. الخبر يقول: مليون و003 ألف لاجىء سورى.. بينهم أطفال ونساء وشيوخ.. سوف لا يجدون ما يقتاتون به فى هذا الشتاء.. بعد توقف معونات الأممالمتحدة الغذائية لهم لتوقف مصادر الدعم.. وهؤلاء اللاجئون السوريون موجودون فى معسكرات فى لبنانوالعراق ومصر.. ماذا يفعلون وبشائر الشتاء القارس بدأت تهب عليهم.. إن لم تكن قد هبت بالفعل.. ولسوف يموتون جوعا وبردا.. لو لم تتحرك الدول المانحة.. أو يرد الله أمرا كان مفعولا! والمطلوب فورا مبلغا وقدره 46 مليون دولار اليوم قبل الغد.. التعليق: يا سنة سودة يا جدعان وآسف للتعبير حتى اللاجئين الذين شردتهم الحروب المجنونة.. لا يجدون ما يسد رمقهم.. ما الذى جرى للدنيا يا عالم؟ .................... .................... الخبر الذى أصابنى بالغثيان.. هو خبر استمرار مسلسل الاعتداء على الأطفال فى الحضانات ودور الأيتام وآخرها خبر يقول: مدير حضانة الخصوص بمحافظة القليوبية وزملاؤه يهتكون عرض عشرين طفلا وفتاة.! التعليق: لابد من الكشف نفسيا وعقليا على كل من يدير حضانة أو يشرف على دار أيتام.. ولابد من حملات للتفتيش على هذه الدور من قبل وزارة الشئون الاجتماعية بتاعة زمان ومعها أطباء من وزارة الصحة ورجال دين.. يا عالم لقد فوضنا الله فى أمر أطفالنا الصغار واليتامى.. فهل نحن حقا جديرون بحمل هذه الرسالة؟ أما الخبر المفرح حقا والذى أدخل السعادة إلى قلبى هو فوز فريق الشرقية للهوكى ببطولة إفريقيا للمرة ال 32.. يا خبر ثلاثة وعشرين مرة يفوزون باللقب وهم يمثلون محافظة من محافظات مصر هى الشرقية.. التعليق: مليون سلام للأبطال.. وبقى أن نسمع ونقرأ خبر استقبال وزير الشباب لهم.. مع مكافآت مجزية وحل مشكلات الفريق التى يعيشها ليل نهار.. نظرة يا عالم على فريق بطل بكل المقاييس.. بطل للمرة ال 32.. ومازال قابعا فى ظلام الإهمال والنسيان! .................... .................... تعالوا نخرج من دائرة الهم والغم والذين يريدون بمصر شرا مستطيرا.. واللهم احفظنا يارب من النفاثات فى العقد.. لنخرج قليلا من سحابات الظلام إلى دنيا المغنى.. وقد ابتلينا بزعيط ومعيط ونطاط الحيط.. ولنقرأ معا.. ما كتبته هنا وفى »الأهرام المسائى« زمان.. أيام العزيز مرسى عطا الله تحت عنوان: »سمع هس.. شحتورة يغنى«! اكتشفت وأنا مشدود مبقوق مذهول أتفرج على سهرة على شاشة التليفزيون أطلقوا عليها افتراء وبهتانا اسم »أهل المغنى«.. إن أى إنسان فى بر مصر كله.. بداية من شحتورة وحنطوة وشفطورة باعة لحمة الرأس والكوارع والكرشة فى المدبح.. إلى عطيات وجمالات وحلاوتهم.. من أحفاد الدلالات والمشاطات والدايات العظام فى درب بهانة إلى زعيط ومعيط ونطاط الحيط من جيل القرداتية والمطبلاتية والراقصين فى الموالد والأفراح والليالى الملاح.. ونهاية بالواد دقدق وأخيه بندق وقريبه شلضم وابن عمه بلضم الراقصين والمنشدين والزمارين فى والعزايم والأفراح والهتيفة فى الانتخابات.. أى واحد من هؤلاء باستطاعته بعون الله.. وببركة دعاء الوالدين.. أن يصبح مطربا ويزعق فيه بصوت الحيانى ويملأ أسماعنا طبلا وزمرا وخبطا ورزعا.. ويملأ شرائط كاسيت وألبومات وهو الاسم الشيك لشرائط الكاسيت ويطبع فوقها صورته التى داخ المصور وجهاز الكمبيوتر فيها.. رتوشا وتزويرا وتزويقا حتى تنصلح خلقته ويبعد عن سحنته هيئة الفواعلية والأرزقية والباعة السريحة والمسجلين خطر! ولفرط ما سمعت وأنا قادم إلى مكتبى أو عائدا منه فى زحام يخنق الأنفاس من أغان ما أنزل الله بها من سلطان.. وأغان توجع السمع والفؤاد تلعلع بها التكاتك جمع توكتوك والموتسيكلات الصينى أم مقطورة التى تشيل كل حاجة وأى حاجة.. وسيارات نصف النقل والتاكسيات والسرفيس.. حتى إننى لم أعد أعرف من يغنى.. أهو مطرب حقا أم أنه سائق التوك توك نفسه ومعه جوقة من الركاب والراكبات فى زفة عريس نكدى وعروس منكودة الطالع وشها يقطع الخميرة من البيت يطوف شوارع القاهرة ليل نهار.. ولا العريس تأهل ولا العروس دخلت دنيا! أمامى على شاشة التليفزيون مطرب »أخنف« طارت أنفه او انبعجت أو فطست كمان.. سألت زوجتى: الراجل ده أخنف واللا أنا اللى موش بسمع كويس؟ قالت لى: والله كلامك صح لكن »خنفانه« دمه خفيف ويموت كمان من الضحك! وأذكر أن زميلى الشاعر الغنائى مصطفى الضمرانى مؤلف أغنية »ما نقولشى إيه اديتنا مصر.. نقول هندى إيه لمصر..« التى غنتها عليا التونسية. قال لى مرة: أتعرف أنهم سجلوا مرة شريطا لمطرب أخرس! سألته: إزاى؟ قال: طلع فى الشريط كله يوأوأ ويتأتأ ويأوأو على واحدة ونصف.. يعنى شريط فكهى.. كله بتاع كله.! وقال لى: أتعرف أن أحمد حلمى اتجوز عايدة والمأذون كان الشيخ رمضان؟ قلت له: وهل هذا خبرا أم نكته؟ قال: لا يا سيدى دى أغنية متسجلة من زمان على شريط.. وأحمد حلمى هو موقف سيارات أحمد حلمى فى أول شبرا.. وعايدة محطة من محطات الخط.. والشيخ رمضان هو ميدان الشيخ رمضان فى الخط نفسه! لقد أعلنت ابنتى ومعها صديقاتها فى الجامعة راية العصيان لكل ما أقوله وما أكتبه هنا عن هذا الجيل من المطربين الذين أطلق عليهم لقب المغنواتية.. لا يهم هنا أنهم ليسوا بمطربين ولن يكونوا مطربين أبدا.. ولكن هؤلاء فى سمع جيلها أجمل وأظرف وأخف ظلا وأكثر حركة وإحساسا بالحياة وإيقاعها السريع من مطربات ومطربين زمان.. بتوع أمان يا لالالى وقصائد الساعة والساعتين.. ومطربات الليالى بألحانها الممطوطة على حد تعبيرها مع صديقاتها وهن للعلم يشترين كل شريط أغانى أو ألبوم كما يطلقون عليه الآن ينزل إلى سوق الطرب لا يهم اسم المطرب أو المطربة ولكنهن يستمعن إليه ويعجبن به وخلاص! ولما سألتها عن أسماء من تستمتع من زميلاتها فى الجامعة إلى هذه الأصوات.؟ قالت لى أسماء شفيق وتوفيق وشفشق وأبوودان وعمران ومردان وبرعى وفلفل وعنتر وزعتر وحلاوتهم وشلباية وبهانة وهى أسماء لم أسمع بها فى حياتى أبدا. قلت لها ساخرا: الحمد لله أنه مازال عندنا محمد الحلو وعلى الحجار وهانى شاكر ومحمد ثروت.. وإلا كانت خربت! ومازلنا نتفرج ونتعجب ونسمع ونتنكد ونولول مع مغنواتية هذا الزمان الذى ليس له صاحب! .................... .................... قلت للشاعر الغنائى الملهم مصطفى الضمرانى: والنبى البلد عاوزة تفرح.. بس إزاى؟ قال لى: أدعو إلى مؤتمر عام للفرح والرقص والطبل والتنكيت والتبكيت.. تنسى فيه مصر همومها وتغسل أحزانها ونشتغل كلنا عشان مصر تعمر والأرض تخضر.. والزرع يطلع.. وأطفالنا يباتوا شبعانين.. تعالوا نحب بعض من جديد.. زى ما كنا زمان.. برضه لسه الأمانى ممكنة!{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى