وحياة كل غال ونفيس عندكم.. وحياة جلالة قدركم.. وحياة ربكم ودينكم ونبيكم وإيمانكم وربنا يوقف لكم أولاد الحلال في سكتكم، ويثبت أقدامكم، ويعلي مراتبكم، وينجح عيالكم، ويكبح جماح زوجاتكم، ويهد أعداءكم، ويفك ضيقتكم. ويقدرنى على خدمتكم، ويقعد لكم فى عينكم وعافيتكم، ويجعل لكم في كل خطوة سلامة، ويعوَّض عليكم عوض الصابرين، ويجعل تليفزيون المحسنين عمار.. أستحلفكم بالعيش والملح اللى بينا كفاكم بقى من عرض المسلسل الخانق المارق الزاعق الحارق المأفون «سجن النساء» المقرر علي الشاشة من شهر رمضان المبارك للآن علي جميع المحطات، وفي كل الأوقات، وتبعا لكافة الموجات والترددات.. يوم ورا يوم وراء يوم و...خلصونا الله يخرب بيوتكم ويجيلكم ويحط لكم وينشف ريقكم، ويكسْرَ شوكتكم، ويسوّد عيشتكم، ويقلق منامكم، ويطلع منافسكم، مع العلم بأن رسالة المسلسل التربوية وصلت خلاص وتم استيعابها من جميع القطاعات والصبيان والبنات بمضي المدة بما فيها من دروس الموبقات من أول رص أحجار الشيشة وشد أنفاس الحشيش وشم الكوكايين وسحابات أدخنة البارات وونونة الكاسات ودبلوماسية معاملة المعلمات وكيفية بج البطن بمطواة قرن الغزال، وحرق إطارات الكاوتش وسط الميدان، وفنون الدروشة وعفاريت الزار، وثقافة الزنازين، وعلوم البلطجة والنصب والتهريب والإتاوات، وخلطة مزج القرف بشعرة شرف، وسير البنات المعوج من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت، وعودة المرأة المعيلة آخر النهار للزوج المتنطع بالسجائر والمعلوم، وإباحية هز البطن التى لم تعد مقصورة على «سجن النساء» بل أصبحنا ندفع براقصاتها اللولبيات الآن من كل مِلّة ولون وهجرة ودين في مسابقات مدججة بفنون الترتر وخرج النجف والدَربُكة والصاجات لمواجهة غزوة الخوارج وداعش والإخوان! ايزابيل الليندى ليس من شيء يفعله أوباما يفرحنى، بل لعلى فيما إذا ما أصابه الضرّ ما يريحنى، وينزل علي قلبى بردًا وسلاماً، وقد بلغت بى شدة الحماس للجمهوريين للفوز علي حزبه الديمقراطى في التجديد النصفي للكونجرس ما تصاعد برغبتى تلك إلى حيز دعواتى وابتهالاتى بأن ينصرهم الله علي أوباما وأتباعه، وقد فوجئت بما لم أعهده في نفسى عندما تشفيت بالأمس لاندلاع مظاهرات العنف في بلده التي امتدت إلي العاصمة واشنطن ونحو 170 مدينة حتى الآن لتحرق نيران الغضب الأسود كل ما في طريقها وتنذر بما لا تحمد عقباه من اتساع دوائره، لتعيد من جديد ملامح غضبة مقتل الزعيم الأسود مارتن لوثركنج، لتثبت أن لا شىء تغير، وأن ديمقراطية أمريكا التى يسوّقونها لنا ليست سوى قشرة، وأن رئاسة باراك الأسود ليست سوى واجهة زيف، فثورة اليوم تتهم أوباما وأجهزته بالعنصرية بعد تبرئة الشرطى الأبيض «داريل ويلسون» الذى قتل الطفل الأسود الأعزل «مايكل براون» رمياً بالرصاص وسط الطريق لاشتباهه في سرقته لعلبة سيجار... وإذا ما كنت ضد جميع ما يأتى به أسْود البيت الأبيض وعلي رأسها نصرته السوداء لإخوان الإرهاب فأبدًا لم أعذره بسبب ما تردده دوائر النميمة عن حياته الزوجية المضطربة التي تضغط فيها زوجته المتسلطة علي مراوحه مما يجعله يخرج بقرارات كارثية منها ما أدى إلي استقالة وزير دفاعه «تشاك هاجل» ليعلن الخبر دامعاً وقد ازداد وجهه سواداً.. وأيضا لم يجعلني تكريمه لكاتبتي المفضلة إيزابيل الليندى لا أشكره بمنحها ميدالية الحرية الرئاسية أعلى وسام مدنى أمريكى ضمن 18 شخصية أخرى من بينها النجمة السينمائية حاصدة جوائز الأوسكار ميريل ستريب فالتكريم هنا لم يكن منه شخصيا، ولا كان الاعتراف بالنبوغ من اختياره الخاص، وإنما قد قام فقط بدور البوسطجى لتوصيل الجائزة الرفيعة لمستحقيها في توقيت يراد به إبعاد الأذهان عن الحادث العنصرى وملحقاته، وتخلخل واجهة نظامه السياسى وتبعاته. الكاتبة إيزابيل الليندي التشيلية الأصل التى طوَّق أوباما جيدها بالوسام تمت ترجمة أعمالها ومنها «بيت الأرواح» و«إيفالونا» و«مدينة البهائم» إلى لغات الأرض جمعاء، فعمقها الأدبى يعود إلي تجوالها المتفرد في غابات النفس البشرية، ودخولها في تلافيف العقل وخفايا الذاكرة، واضعة أصابعها الخبيرة علي الجروح والندوب وآبار الحرمان.. الكاتبة الملهمة التي تفرح وتنطلق وتحلم وتحب وتنتشى وتسجل وتهمس وتصرخ وتنطوى وتنكوى وتبكى وتولول وتنوح وتكتب لنا بمداد الأدب الرفيع.. ومنذ قراءاتى المتكررة للأدب الروسى في روائع تشيكوف ودستوفسكى وتولستوى ومكسيم جورجى التي أعود لاجترارها كلما اشتقت إلي القلم الأدبى الغائص في الأعماق البشرية لم أعد للقراءة مرة أخرى إلا للنادر من الكتب وعلي رأسها أعمال الليندى، ومن بينها رائعتها الحديثة «باولا» التي وجدتنى أمتص رحيق كلماتها على مهل.. أستقطرها.. أستعيد مذاقها.. أتمهل بين سطر وسطر، وأعود من جديد من أول السطر تخوفا من أن يكون قد فاتنى تعبير، أو سهوت عن وصف، أو سرقنى عامل خارجى عن التركيز فى فقرة ما خرجت للوجود من رحم قلم إيزابيل.. كاتبتى المفضلة.. «باولا» اسم ابنة الكاتبة التي أصيبت بمرض خطير دخلت من جراء تطوراته إلي مرحلة الغيبوبة الكاملة.. ايزابيل كتبت صفحات روايتها خلال ساعات لا حصر لها أمضتها في ممرات المستشفي في مدريد، وفى غرفة بفندق عاشت فيه بضعة أشهر بجوار المستشفي، وكذلك إلي جانب سرير باولا في بيتهم بكاليفورنيا لتروى بشجاعة لا مثيل لها ما لم تقله كاتبة من قبلها وما لن تمتلك شجاعتها كاتبات بعدها.. تنتقل بنا من الساخن للبارد. من الفقر المدقع للعيش المدلل.. من آلام الثورة الاشتراكية لمرحلة اللامسئولية الرأسمالية.. تسافر.. تهاجر.. تعشق.. تنفصل.. تتزوج.. تنجب.. تزهد في الحقائق وتستسلم للغيبيات.. كل هذا بينما قلمها يكتب ويدور حول أهم أحداث حياتها خصوصية وهو مرض ابنتها الشابة «باولا» التي سقطت فجأة في غياهب مرض عضال تركها في سبات لا تستطيع معه قولا ولا حركة، بينما الحبل السرى لحياتها يعود ليربطها بأمها التي تغذيها هذه المرة عن طريق أنبوب طبى يصل إلي أمعائها.. ايزابيل في روايتها تكتب إلي جوار سرير باولا تتابع تطور المرض وتسرد في المقابل قصة حياتها الشخصية لتقدمها إلي الابنة كهدية عندما تتجاوز محنتها.. لكن المرض يتطور وتموت باولا لتبقي رواية أمها أروع هدية لقارئ في شوق لمتابعة سطور لا تنسي، وتجربة أمومة صادقة لا تكتبها إلا إيزابيل الليندى في محارق اللوعة.. ما لاقته ايزابيل مع رحيل «باولا» كان على مدى 375 صفحة جلست فيها إلي جوار سريرها تجتر حياتها ومراحل انطفاء ابنتها تدريجيا: «ليس هناك ما أفعله خلال أيام وأسابيع وسنوات أمضيها إلي جوار سرير ابنتى أعد الساعات دون أن أعرف ما الذى أنتظره.. أعرف أنها لن تعود كما كانت من قبل، فعقلها قد ذهب إلى حيث لا يعرف أحد.. ولكن جسدها وروحها لايزالان هنا.. لقد كان الذكاء أبرز ملامحها المبهرة، وكانت طيبة قلبها تُكتشف من النظرة الثانية، ولست أستطيع أن أصدق بأن دماغها المتميز قد تحول إلي مجرد لطخة سوداء فوق صور الأشعة، وأن ميلها إلي الدراسة ومزاجها المرح وذاكرتها في حفظ أدق التفاصيل قد تلاشت كلها إلي الأبد.. يمكن لقطة ما أن تموء لتغوينى كى أقدم لها طعاماً وأتركها تتمدد بجوارى على السرير، أما ابنتى فلا تتعرف عليّ، ولا يمكنها حتى أن تشد علي يدى لتشير إلى شيء ما.. لقد حاولت تعليمها أن ترمش مرة واحدة تعنى نعم ومرتان تعنى لا، ولكن دون جدوى.. إنها موجودة معي هنا علي الأقل.. في هذا البيت.. معى تحت سقف واحد.. تحت حمايتنا جميعاً ولن تتلقي من الآن فصاعدا سوى ملمس الأيدى الحانية والموسيقى والأزهار.. مهمتى هى الحفاظ علي سلامة جسدها وحمايتها من الآلام.. هكذا تنال روحها الأمان لإبحار ما تبقى من مهمتها علي الأرض.. وتقيّم الأم ما يشبه حفل وداع الصبية.. جمعت العائلة من حولها وغنّوا لها في ليلة الرحيل: «رأيت السماء تظلم من خلال النوافذ الواسعة.. أشعلنا شموعاً وتناولت سيليا زوجة ابن الكاتبة الجيتار وغنت أغنيات باولا. إن لها صوتاً عميقاً ودافئاً يبدو وكأنه يخرج من باطن الأرض، وقد كان دائماً يهز مشاعر باولا.. كانت تقول لها بهمس (غنى لي وحدى يا سيليا).. صحوة تتيح لي أن أعيش هذه الساعة لآخر مداها، بالحدس المجرد والحواس الخمس، وحواس أخرى متيقظة كنت أجهل وجودها. كان ضوء الشموع الباهت ينير طفلتى.. بشرتها الحريرية. عظامها البللورية. ظلال رموشها وهى تنام فوق وجنتيها إلى الأبد.. مثقلات بزخم الحب نحوها ارتجلنا الطقوس الأخيرة لها وغسلنا جسدها وضمخناها برحيق الورد، وألبسناها ثياباً سميكة حتى لا تشعر بالبرد، ووضعت سيليا بين يديها صورًا للصغار وقالت لها اعتنى بأولادى. كتبت جميع أسمائنا علي ورقة ووضعتها فوق صدرها لتأخذها معها كتذكار إلى جانب مرآة الجدة الفضية.. تحولت باولا إلي مراحل الشفافية.. كم هى باردة وشمعية.. وكلما كانت الساعات تمر كان هناك شيء مهيب وقدسى يملأ الجو، تماما مثلما حدث لحظة وُلِدت ابنة شقيقها في هذه الغرفة نفسها.. اللحظتان تتشابهان، فالولادة والموت مصنوعان من المادة نفسها.. أصبح الهواء أكثر فأكثر سكوناً، وصرنا نتحرك ببطء حتى لا نهيِّج سكون قلوبنا. كنا نشعر بأننا مفعمون بروح باولا وكأننا كلنا كيان واحد لا انفصال بيننا، فالحياة والموت قد وحدانا.. وعرفنا لبضع ساعات واقع الروح دون ما زمان أو مكان.. دسست نفسي إلي جوار ابنتى وشددتها إلى صدرى مثلما كنت أفعل حين كانت صغيرة، وأبعدت سيليا القطة ووضعت مكانها الطفلين النائمين ليدفئا بجسديهما قدمى باولا، وأمسك نيكولاس بيد شقيقته، وجلس زوجى، وجلست أمى علي جانبى السرير تحيط بهما كائنات هلامية، وهمسات وعبق روائح عالقة من الماضى، وجن ورؤى، وأصدقاء وأقرباء أحياء وأموات... انتظرنا طوال الليل علي مهل ونحن نتذكر اللحظات القاسية وأكثر منها ذكريات اللحظات السعيدة.. ونبكي قليلا ونبتسم كثيرا.. ونكرّم نور باولا الذى يضيء علينا بينما هي تغرق أكثر فأكثر في السبات النهائى، وقلبها لا يكاد ينبض إلا في خفقات أشد خفوتاً في كل مرة، وتحولت الأصوات إلي همسات وبدا محيط الأشياء ووجوه أفراد الأسرة فى التلاشي، وراحت الظلال تختلط وتتداخل، وفجأة انتبهت إلي أننا أكثر عددا، فقد كانت هناك الجدّة الراحلة (جرانى) بثوبها القطنى الرقيق ومريلتها الملطخة بالمربى ورائحتها العالقة بالخوخ وعينيها بلون السماء الصافية.. وكان هناك الجد الراحل بقبعته وعكازه الخشن جالساً علي مقعده الهزاز قرب السرير.. ورأيت إلي جواره امرأة صغيرة ونحيلة ذات ملامح غجرية لازمتنى في طفولتى كانت تبتسم لى كلما تقاطعت نظراتنا، ولم أجرؤ علي التحدث إليها حتى لا تتلاشى مثل سراب خجول.. وخُيِّلَ إلىّ أننى أرى جارتنا العجوز الراحلة (هيلدا) في أركان الغرفة ومنسوجاتها المطرزة بين يديها، وأخى (خوان) يرتل مع جوقة من الراهبات والأطفال المنشدين في مدرسة مدريد.. وحماى هناك قابع فى الركن لم يزل في شرخ شبابه.. وجمع من الشيوخ الوادعين ذوى الأقدام النظيفة من نزلاء ملجأ المسنين المعاقين الذى اعتادت باولا زيارته في طفولتها.. وبعد قليل أحسست بيد العم الغائب رامون الذى لا يمكن أن أخطئها تحط علي كتفى.. أحسست بحضور أرنستو زوج باولا الراحل يتجسد من خلال زجاج النافذة، وكان حافياً بملابس التايكوندو.. دخل بخفة وانحنى علي السرير ليقبل زوجته في شفتيها: (إلى اللقاء قريبا يا حبيبتى الغالية، انتظرينى علي الجانب الآخر).. قالها ووضع قلادة من نور حول عنقها.. عندئذ أعطيته خاتم الزواج الذي وضعته فى إصبعي منذ بداية مرض باولا فوضعه في إصبعه مثلما فعل يوم تزوجا.. ثم تلاشي.. وعدت أرى نفسى من جديد داخل الصومعة التي لها شكل برج الحمام.. ابنتي في الثامنة والعشرين ترتدي عباءة بيضاء وشعرها شلال يتهدل على ظهرها.. بدأت ترتفع وصعدت معها متعلقة بأذيالها. سمعت صوت أمى لا يمكنك الذهاب معها فلقد شربت باولا كأس الموت.. لكنى اندفعت بقواى الأخيرة واستطعت التشبث بيدها حريصة علي ألاّ أفلتها، ولدى وصولى لأعلى رأيت السقف ينفتح وخرجنا معا نجتاز الفضاء، وكان الفجر يكتسح بنوره أستار الظلمات، والسماء مطلية بفرشاة الذهب، وكان المشهد الممتد تحت أقدامنا يضوي ويتلألأ وقد غسله المطر للتو.. طرنا فوق وديان وساحات وأنهار وجبال ونزلنا أخيرا إلي قلب غابة خضراء حيث الهواء يمشّط أعالى الشجر، وحيث عصفور جرىء يتحدي الشتاء بتغريده المنفرد.. أشارت باولا إلي الجدول الفضى فرأيت أزهارا ندية تفترش الضفة، ورمادا أبيض لعظام متكلسة في القاع، وسمعت موسيقي آلاف الأصوات تهمس بين الأشجار.. أحسست بأننى أغطس للأعماق في المياه الباردة، وعرفت أن الرحلة عبر الألم تنتهى بفراغ مطلق، ولدي ذوباني انكشف لى أن ذلك الفراغ مملوء بكل ما يتضمنه الكون.. إنه لا شيء وكل شيء في الوقت ذاته.. نور قدسى وظلال بلا قرار.. أنا الفراغ وأنا كل ما هو موجود.. إننى في كل ورقة من أوراق الغابة.. في كل قطرة ندى.. في كل ذرة رمال يجرفها الماء.. إننى باولا وإننى أنا نفسى أيضا.. أنا لا شيء وكل شيء في هذه الحياة وكل الحيوات الأخرى.. وداعاً يا باولا المرأة وأهلا يا باولا الروح»..
نادية لطفى تأخر كثيرا تكريمها، وعندما حدث وكُرِّمت رمزًا للفن المصرى الأصيل في مهرجان القاهرة السينمائى ال26 تنفس الفن الصعداء، وارتاح بال الجمهور، وتراجع الإحباط المستشرى من سوء التقدير، وامتلأ الفراغ السينمائى، وذهبت الجائزة لصاحبتها.. بولا محمد شفيق.. بومبي.. نادىة لطفى. «مادى» النظارة السوداء.. «بسمة» بائعة البرتقال الشقراء فى الأقمر.. «ريرى» لعوب السمان والخريف.. «زوبة» العالمة في قصر الشوق.. «سهير» راقصة أبى فوق الشجرة.. «شهرت» الخادمة في قاع المدينة.... المصرية نتاج خلطة الصعيد بريف بحرى، فالوالد من قنا والأم من الزقازيق، خلطة أخرجت حسناء في شكل خوجاية سائحة قادمة للفرجة علينا وزيارة متاحفنا والشرب من نيلنا عائدة لبلاد الفرنجة بجلابية فولكلورية من كرداسة ومنديل بأوية من الغورية وبذلة رقص شرقي لزوم الحفل التنكرى لإذابة جليد سهرة الخواجات.. ولابد من أن تكون ملامحها الغربية تلك هى أحد الدوافع، إن لم تكن الدافع الرئيسى للتحدي لدى مخرج روائعها حسن الإمام الذى لمس بموهبته موهبتها لكي تقوم نادية بأدق وأصعب وأعتى أدوار بنت البلد صاحبة الأداء الشعبى المذهل، وطرقعة اللبان الدكر، والهز علي واحدة ونص، والردح بالصوت الحيانى وفرش الملاية وسط نسوان الحارة، وعقصها لتلف القوام الرجراج بالحنجل والمنجل والنظرة الجريئة الموحيَّة علي أرض الرموش المسحوبة من خلف عروسة البرقع الذهب عيار أربعة وعشرين بندقى، وخلخال يخطر في القدم كل المحاسن فيه يشخلل إذا ما قامت قوالب الزبدة السايحة تدق بلاط الحارة بالقبقاب الصدف العجب، فيقوم ناس ويقعد ناس.. نادية لطفي وحدها تعد كوكبا متفردا من نوع خاص يضعها في مرتبة خاصة، تصنف في إطار خاص، يفهرس بخاصية لها خصوصيتها.. إعجاب ركيزته ثقة بها، واحتراما لها، وتفهما جادا لإجادتها، ينبئ بجودة عملها من قبل مشاهدته، لأن نادية المثقفة لن تقبل القيام إلا بأدوار لها ثقلها، وهى بدورها لم تخيب أبداً ظننا بها علي مدى تاريخها السينمائى في 68 فيلما قدمتها خلال 30 عاما نجومية في أولها تلميذة في فيلم «سلطان» عام 58، وآخرها «الأب الشرعى» عام 86 أمام محمود ياسين.. ومن هنا جاء اتصال الوداد والقرب بينها وبين كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، ويحيى حقى وغيرهم.... بومبى.. المنتجة لفيلم تسجيلى واحد، ومسرحية واحدة، والبطلة لمسلسل تليفزيونى واحد، والمشاركة بمشهدين لا غير في فيلم «المومياء» الفرعونى.. بصراحتها المعهودة وعصبيتها الطفولية وقلبها الطيب وتوجسها المشرع الأظافر وروحها الحلوة وحياتها الحافلة، وثقافتها ولوحاتها وفروسيتها وإجادتها للألمانية وآدابها و..ضحكتها المنطلقة بحيوية تشوبها بحّة أنثوية مميزة لها وحدها سحر أسكنها على قمم الكاريزما.. نادية دخلنا عالمها أياماً.. ولم نخرج للآن: «لا أحب الشعور بالندم. أرفضه من البداية إذا ما شعرت بأن ما سأقدم عليه هش وسطحى.. بصراحة أحب وقوع البلاء ولا أنتظره، ولا أقيم مندبة لأخطائى.. لا أسعى لصداقات مع الشخصيات العامة، وأُفضِل أن يبقي الفنان فنانا والرئيس رئيسا، وكل واحد في مكانه.. أنا ماليش شبه.. أنا في كل فيلم مختلفة ومتجددة ولم ألعب على وتر واحد.. الخائنة.. الخطايا.. أبى فوق الشجرة.. الأخوة الأعداء.. حبى الوحيد.. لا أحب الحديث عن حياتى الخاصة، فماذا يفيد الناس فيما كنت مرتبطة أو أسكن وحدى.. كنت دائما ضد أن يُكتب لي عمل خاص، فالكاتب حر في أفكاره وأنا حرة في أن أجد بينها ما يشدنى ويجعلنى أتحدى نفسى.. أردد دائما قول كامل الشناوى «أنا لا أشكو ففي الشكوى انحناء وأنا فيض عروقى كبرياء».... شادى عبدالسلام اختارنى عام 68 لألعب دور أم اخناتون وكان محمد صبحى نفسه اخناتون.. أقرأ في جميع المجالات دون تحفظ وهى عادة ورثتها عن أمى فاطمة، أما الحكى فتعلمته من والدى المحاسب محمد شفيق الحكّاء البارع.. كنت أول مصرية تدخل قشلاق الجيش بالعباسية لأتعلم فروسية الحرب للعمل في فيلم صلاح الدين.. نشأت في أسرة متدينة ودربني والدى علي الصيام منذ الثامنة، ومازلت أسمعه يردد تكبيرات العيد الكبير أثناء وضوئه قبل ذهابه للصلاة في الجامع.. المرأة مثل اللؤلؤة الثمينة تخدشها لمسة خشنة أو نظرة وقحة أو كلمة خارجة.. الفنان إذا ارتضي لنفسه التدنى والمشاركة في تجسيد القبح يصبح بدوره قبيحا.. الفن الذى انتميت إليه يعنى حرية النقد وانطلاقة الفكرة.. أثناء تصويرى لأبى فوق الشجرة كان هناك مشهد يصفعنى فيه عبدالحليم فطلبت منه تأديته واقعيا، فوقعت الصفعة علي أحد المراكز الحساسة بجانب الأذن مما سبب لى ألما شديدا انتهى بشبه إغماءة، فجاء عبدالحليم ليقبلني بعدها نوعا من الاعتذار، وكانت هناك كاميرا المصور الفنان فاروق إبراهيم في حالة استنفار لالتقاط الصورة الشهيرة التي نزلت علي أفيشات الفيلم، وهى لقطة غير موجودة بداخله.. اكتشفت أن التمثيل الإذاعى أصعب بكثير من الوقوف أمام الكاميرا لأن أدوات الممثل أمام الميكروفون تعتمد علي صوته فقط.. منذ الطفولة أعشق الرسم لكنى لا أدعى رغم لوحاتى أنى رسامة.. اقتربت من القمم بحكم عملى الفني فوجدت نجيب محفوظ إنسانا هادئا دائما حتى في عمله ينساب وديعاً مثل ماء النيل في مجراه.. يوسف إدريس هو البحر بثورته وتلاطم أمواجه وجماله الهيّاب الأخاذ وهدوئه المفاجئ أحيانا بلا سابق إنذار.. إحسان عبدالقدوس مثل معبد الكرنك بأعمدته الثقيلة لإرساء المبادئ.. محمد عبدالوهاب كروان النيل الصادح بالخلود.. عبدالحليم بلبل يندر وجوده.. حسن الإمام العميد والأستاذ والتلميذ خلف الكاميرا.. الموهبة ومضة سماوية.. كل دور أمام الكاميرا أضاف لى وأضفت له.. أعذب أسمائى إلى سمعى.. بولا.. نداء فاطمة أمى لى».. [email protected] لمزيد من مقالات سناء البيسى